الجوع في غزة.. عار على ضمير الإنسانية

أمد/ في زمنٍ تتفاخر فيه البشرية بتقدُّمها العلميّ والتقنيّ، وتزهو فيه المنظمات الدولية بشعاراتها الرنّانة عن حقوق الإنسان، هناك رقعة صغيرة على خريطة هذا الكوكب تُحتضر ببطء. غزة، الجرح المفتوح منذ سنوات، باتت اليوم مسرحًا لأبشع مأساة إنسانية يشهدها العصر الحديث: مجاعةٌ حقيقيةٌ تضرب السكان، تُرافقها آلةُ قتلٍ لا تهدأ، حتى بات العيش فيها موتًا مؤجلاً، والموت فيها حياةً قد تكون أرحم.
الطفل الذي ينام جائعًا، والأم التي تُرضِع طفلها دموعًا بدلًا من الحليب، والشيخ الذي يحدّق في السماء بحثًا عن رحمةٍ بعد أن أُغلقت كل الأبواب.. هؤلاء ليسوا مشاهد من رواية خيالية، بل صور حقيقية تُبث على الهواء مباشرة، على مرأى ومسمع من العالم كلّه. ومع ذلك، لا يزال الصمت هو السيّد، والعجز هو اللغة الوحيدة التي يتقنها قادة العالم ومؤسساته.
هذه المجاعة ليست كارثة إنسانية فحسب، بل فضيحة أخلاقية عالمية. لقد تجاوزت الإنسانية في غزة كل الخطوط الحمراء، وسقطت الأقنعة، وتعرّت الشعارات، فلا مجلس أمن حرّك ساكنًا، ولا منظمة حقوق إنسان أطلقت إنذارًا حقيقيًا، ولا صوت حرّ استطاع أن يوقف طاحونة الجوع والدمار.
لكن، مهلاً… لن تمر هذه المجاعة مرور الكرام.
فكما أن الظلم لا يدوم، فإن عقوبته لا تُخطئ. ما يحدث في غزة هو سنّة كونية للابتلاء والاختبار، لكنه أيضًا ناقوس خطر يُدقّ في وجه كل الأمم، حكوماتٍ وشعوبًا، أغنياء وفقراء، شمالًا وجنوبًا. فحين تُترك فئة من الناس تُباد جوعًا وقتلاً في وضح النهار، فإن العقوبة لا تفرّق بين ظالم وساكت. الجوع الذي يصيب غزة اليوم، سيتسلل إلى موائدكم غدًا، والموت الذي يخنق أطفالها، سيزحف إلى أبنائكم بطريقةٍ أو بأخرى، لأن الموازين الكونية لا تعرف المحاباة.
لقد قال تعالى:
“واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة”
وها نحن نرى كيف تتحول القلوب، وتُطمس الفطرة، ويُعاد تشكيل العالم ليكون أكثر قسوة، وأقل رحمة. هذه المجاعة في غزة ليست مجرد حادثة محلية، بل هي إنذار للبشرية كلّها: إمّا أن تتحرك، أو تستعد للسقوط الجماعي.
إن دموع الأمهات في غزة، وجثث الأطفال تحت الركام، وعيون الجوعى التي تتشبث بالحياة، ستكتب تاريخًا جديدًا للبشرية: تاريخًا لن يُمحى، ولن يُغفر.
أيها العالم: لا تختبر صبر المظلومين، ولا تستهين بعقاب الله.
فمن سكت عن الجوع اليوم، سيصرخ منه غدًا.
ومن أدار ظهره لغزة، سيجد النار في بيته، عاجلًا أم آجلًا.
تلك سنة الله في الأرض، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.