غزة تصارع الإبادة في ظل صمت المجتمع الدولي: جريمة تجويع مقصودة

غزة تصارع الإبادة في ظل صمت المجتمع الدولي: جريمة تجويع مقصودة

أمد/ يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، تتجاوز توصيفات النزاع العسكري التقليدي، لتدخل في نطاق الانتهاكات الجسيمة والمنهجية للقانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف لعام 1949. ما يتعرض له المدنيون في غزة ليس مجرد “أضرار جانبية”، بل هو استهداف ممنهج للبقاء الإنساني، وعقاب جماعي يُمارس بوعي كامل، في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية، ولأبسط المبادئ الأخلاقية التي يفترض أن تحكم سلوك الدول في زمن الحرب.
البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية تؤكد مقتل أكثر من 15,000 مدني، بينهم آلاف الأطفال والنساء، منذ بدء العدوان، في وقت تشير فيه تقارير الأمم المتحدة إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات، شبكات المياه، ومراكز الإيواء. هذا التدمير الواسع، الذي طال منشآت مدنية بحتة، يكشف عن غياب متعمد لمبدأ التمييز، وتجاهل كامل لمبدأ التناسب والضرورة العسكرية، وهي مبادئ جوهرية في القانون الدولي الإنساني.
المادة 33 من الاتفاقية الرابعة تحظر العقوبات الجماعية بشكل قاطع، فيما تعتبر المادة 147 أن الحرمان المتعمد من الغذاء والدواء، أو استهداف المدنيين، يُعد جريمة حرب. في هذا السياق، يُعد الحصار المفروض على غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، بما فيها آلاف الشاحنات التابعة لوكالة الأونروا، جريمة موثقة تستوجب تحقيقًا دوليًا عاجلًا، ومساءلة قانونية لا تقبل التأجيل.
تقرير الأونروا الأخير كشف عن حالات إغماء بين موظفيها نتيجة الجوع الشديد، ووفاة أطفال وذوي احتياجات خاصة بسبب سوء التغذية الحاد. شهادات أطباء دوليين تؤكد أن سكان غزة لم يتناولوا الطعام لأيام، وأن مظاهر الجفاف والهزال باتت واضحة في وجوه الأطفال، في ظل غياب تام للإمكانات الطبية، واستهداف مباشر للمرافق الصحية التي تُعد محمية بموجب القانون الدولي.
غياب الإرادة السياسية في مجلس الأمن، وتكرار استخدام حق النقض، حال دون صدور أي قرار ملزم لوقف إطلاق النار أو رفع الحصار، ما يُعد تواطؤًا دوليًا بالصمت، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية مضاعفة. هذا الصمت لا يمكن اعتباره حيادًا، بل هو انحياز قاتل، يُضعف من مصداقية المنظومة الحقوقية العالمية، ويُكرّس منطق الإفلات من العقاب.