الجوعُ يُنكرُ الإيمان

الجوعُ يُنكرُ الإيمان

أمد/ الجوعُ كافرٌ،
يَطحنُ ضُلوعَنا في غزَّةَ الحزينةِ…
والحصارُ كالسُّندانِ،
والأجسادُ مَطارقُ من عِظامٍ ناحلةْ…

نُفَتِّشُ في النفاياتِ عن شيءٍ يُؤكَلُ،
وفي الرَّمادِ عن ظلِّ رغيفٍ
ترَكَهُ شهيدٌ صغيرٌ حينَ رَحَلْ…

بابا… بدنا ناكُلْ…
ماما… جوعانينْ…
صُراخٌ لا يَخترقُ جدرانَ الصَّمتِ العربيِّ السَّميكْ،
صُراخٌ، يَخرجُ من حناجرَ بالملحِ مبلولةٍ
وبالوجعِ مفجوعةْ…

آباءٌ يفرُّونَ من الخيامِ،
ليسَ من صواريخَ العدوِّ،
بلْ من سؤالِ أطفالِهمْ،
من وَجَعِ العجزِ،
ومن خيانةِ الخبزِ للكرامةِ والجُوعْ…

يَنتظرونَ شاحنةَ الدقيقِ
كأنَّها المهديُّ المُنتَظَرُ،
يَقفونَ عُزَّلاً…
يُراوِغونَ الموتَ على الحُدودِ،
علَّ شَفَةً من طحينٍ
تُطعِمُ صغارَهم صبرًا جديدًا…

غزَّةُ تَربِطُ الصَّخرَ على جوعِها،
وتُعلِّقُ قلوبَها على صليبِ الأمَّةِ النائمةْ…
غزَّةُ تَتقيَّأُ المِلحَ والماءَ والهواءَ،
ولا أحدَ يَسألُ:
كم عظمةً تَكَسَّرَتْ…؟
كم أمعاءً تَعفَّنَتْ…؟
كم كفًّا تَمتدُّ …
ولا تَلقى غيرَ الهوانْ…؟!

في العامِ الخامسِ ..
بعدَ العشرينَ بعدَ الألفينْ، …
وما زالَ الفجرُ مُعلَّقًا …
بينَ شَهقةِ طفلٍ…
وجنازةِ خُبزْ…

متى تَستفيقينَ يا أُمَّةً ..
خيرُ أمةٍ …
ضاعَتْ بُوصلتُها ..
بينَ الوهمِ…
وخيامِ العارْ …؟!
ماذا نَفعلُ بعدُ …؟!
نموتُ؟
أم نُصبِحُ جوعًا ناطقًا
في صُحفِ الغدِ…
ثمَّ يُنسى، ..
كما نُسينا…؟!

لكنَّنا رغمَ الجوعِ، نُصلِّي…
نَزرعُ قُمحَ الأملِ ..
في يبابِ الترابْ،
نَغزلُ قنديلَ حياةٍ …
من لهاثِ أُمٍّ تُقبِّلُ …
جبينَ رضيعٍ دونَ حليبْ،
نَرفعُ جِباهَنا نحوَ السَّماء،
ونَقولُ: يا ربُّ…
ما دامَ فينا نفسٌ،
وفي القلبِ وَمْضةُ إيمانْ،
لن يُغْلَقَ بابُ الرَّجاءِ…
بابُ الحياةْ ….!