وثيقة المجلس الوطني

أمد/ أثار إصدار الرئيس محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يوم السبت الماضي الموافق 19 تموز / يوليو الحالي قرارا بإجراء انتخابات المجلس الوطني قبل نهاية 2025جدلا واسعا في الأوساط الفلسطينية بين مؤيد ومعارض، وكل له اعتباراته وخلفياته التي يراها أساسا لموقفه. وفي العادة والمحطات الفلسطينية المتعاقبة كانت تشهد الساحة سجالا بعضه موضوعي، وبعضه الاخر ردود فعل سلبية تعكس سوء فهم لطبيعة التوجه او القرار، أو جهلا به، أو اسقاطا رغبويا رفضا لأي توجه إيجابي يهدف الى تصويب وتفعيل الحالة الفلسطينية. حتى يمكن ان يقال على أصحاب وجهات النظر المعارضة، بانها صاحبة مواقف جاهزة ومسبقة، فإن اتخذ الرئيس أبو مازن وقبله الراحل الرمز الرئيس أبو عمار في أي شأن فلسطيني عام، تقوم بعض القوى فورا ومعها منابرها الإعلامية وبعض أصحاب الأقلام المعارضة بسن رماحها هجوما على التوجهات الوطنية، وان لم يتخذ الرئيس أو الهيئات القيادية القرار المناسب أو المراد لتفعيل الحالة الفلسطينية، الرماح المغمسة بالمواقف السلبية جاهزة، وتتهم القيادة بعدم الحراك، وغيرها من الاتهامات غير المبررة، وبعضهم يحيل هجومه على الشروط الموضوعية، فجاء رفض التوجه والقرار الأخير كونه يأتي في ظرف صعب ومعقد وابادة جماعية على أبناء قطاع غزة، وبالتالي الظروف لا تسمح بإجراء انتخابات في غزة او القدس، ولو لم يبادر فالاتهامات موجودة ومعلنة ضد القيادة، كما يلقي الكثيرون في الآونة الأخيرة الاتهامات لشخص الرئيس محمود عباس وقيادة المنظمة وحركة فتح والحكومة ب”المراوحة في المكان”، و”لم تفعل شيئا لإنقاذ” الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وجلها مواقف لا أساس لها من الصحة، مع ان الضرورة تتطلب تفعيل أدوات منظمة التحرير وتطويرها كخطوة ضرورية الان وليس غدا، لا بل تأخرت الخطوة كثيرا. لأن المجلس الوطني، البرلمان الفلسطيني الأول هو ذاته، وأكثر من غيره من المؤسسات التي تحتاج للتجديد والتطوير والاستنهاض واخراجه من حالة التضخم والاورام التي يعاني منها.
وأعتقد ان التوجه لإجراء انتخابات للمجلس الوطني، أمرا جادا، ولم يكن القرار للاستهلاك المحلي، وتحريك المياه الراكدة، وتعتبر في حال إجرائها اول انتخابات منذ مؤتمره الأول في القدس العاصمة عام 1964. وجاء القرار وفقا لنظام انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني استنادا للتمثيل النسبي الكامل، على ان يتم تحديد موعدها بقرار من رئيس اللجنة التنفيذية أبو مازن.
وجدد القرار التأكيد على أحد شروط العضوية الأساسية في منظمة التحرير، بالالتزام ببرنامج المنظمة وبالتزاماتها الدولية وقرارات الشرعية الدولية. مما دفع بعض القوى والكتاب الإعلاميين لتسجيل تحفظهم واعتراضهم على ما ورد، انطلاقا من أن إلزام القوى بالتزامات المنظمة الدولية نوعا من تجريدها من حق الاختلاف، ورفضا للتعددية، وهذا يحتاج الى تدقيق، كون الالتزامات الدولية وقرارات الشرعية الدولية قاسما مشتركا للكل الفلسطيني، وارتباطا بمواجهة التحديات المفروضة على الشعب والقيادة على حد سواء، وليست ترفا أو نوعا من تقويض حرية القوى الأخرى في شق برامجها السياسية كيفما تشاء، والحقيقة غير ذلك تماما. وأضاف القرار ان عضوية المجلس الوطني تتشكل من 350 عضوا، على أن يكون ثلثا الأعضاء أي 230 من أبناء الوطن الفلسطيني (الضفة بما فيها القدس العاصمة وقطاع غزة)، والثلث الأخير 120 عضوا يتشكل من أبناء الشعب في الشتات والمغتربات، مع أن النص الأساس الذي اتفقت عليه اللجنة التنفيذية والامناء العامين سابقا، بأن يكون العدد 350 عضوا، من بينهم 150 عضوا من الوطن، و200 عضوا من الشتات والمغتربات، وهذه واحدة من النقاط الخلافية بين قرار رئيس اللجنة التنفيذية وقادة بعض الفصائل والمعارضين عموما. ولعلم القوى المعارضة سيتم تشكيل لجنة حوار وطني، ستقوم باللقاء مع كافة الفصائل الفلسطينية وتبادل الرأي والمشورة وتجسير الهوة بين المواقف المختلفة.
ويعود الخلل في مواقف القوى المعارضة الى عدم إدراكها حجم التحولات في الإقليم، وفي الداخل الفلسطيني، فالمطروح يرتكز على تشكيل مجلس وطني من غرفتين، غرفة صغيرة تقتصر على الوطن الفلسطيني، وغرفة كبيرة المجلس الوطني بكل أعضائه، الغرفة الصغيرة هي برلمان الدولة الفلسطينية، وليس المجلس التشريعي السابق، وإن كانت مهام الغرفة الصغيرة هي ذات مهام التشريعي السابق. كما ان بعض القوى الفلسطينية التي كانت تفرضها الجغرافيا السياسية العربية سابقا، والتي لا حضور لها في المشهد الفلسطيني، باتت حاجة زائدة في مكونات المجلس الوطني والتمثيل الفلسطيني، ولم يبق منها سوى إصدار بيانات من بعض العواصم، لتقول انا حاضرة وموجودة، والحقيقة غير ذلك.
كما ان قرار الرئيس عباس تضمن نصا، أن تصدر اللجنة التنفيذية قرارا بتشكيل لجنة تحضيرية، مهمتها وضع الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات، وتكون برئاسة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح. وتضم عضوية اللجنة التحضيرية: أعضاء مكتب رئاسة المجلس ومن أعضاء اللجنة التنفيذية وممثلون عن الفصائل الوطنية الفلسطينية، وعدد من المنظمات الشعبية والمجتمع المدني، ومن الجاليات الفلسطينية في الخارج.
وكانت جرت حوارات فلسطينية داخلية في الآونة الأخيرة شملت أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة حول عدد أعضاء المجلس الوطني، وإعادة نظر بما تم الاتفاق عليه سابقا. لا سيما وأن مركز القرار هنا في الداخل الفلسطيني، حيث تتركز المهام الوطنية ومواجهة التحديات الإسرائيلية ومن يقف خلفها، ومن يتعاون معهم من قوى محلية، وساعية لتبديد مكانة ودور منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد. كما ان هناك بعض الساحات العربية تضم مئات الألوف من أبناء الشعب تحول سلطاتها دون مشاركة الأعضاء في دورات المجلس الوطني والمجلس المركزي، وهناك ساحات عربية وعالمية تضيق الخناق على أعضاء المجلسين الوطني والمركزي من المساهمة الإيجابية في اعمالها، وساحات أخرى تحول دساتير دولها من السماح بازدواجية الولاء للفلسطيني حامل جنسية تلك الدول، وبالتالي لا تسمح للفلسطيني بالولاء المزدوج، فإما الولاء للدولة التي يحمل جنسيتها، او للدولة الأصل، وعلى هذا الأساس تم تعديل حجم التمثيل بين الداخل والشتات والخارج، ومع ذلك الحوار مفتوح حول كافة النقاط الخلافية، وليدلي كل أصحاب وجهات النظر برؤاهم، ويدافعون عنها، ويسعون لتثبيتها إذا تمكنوا من ذلك، وهذا ابسط حقوقهم. وبالتالي على جميع القوى الاستعداد لإجراء اول انتخابات للمجلس الوطني، رغم ان هناك عقبات ذاتية وموضوعية ستواجه العملية الانتخابية، ولن يكون إجرائها عملية سهلة. لكن عربة انتخابات المجلس الوطني تحركت ولن تتوقف.