البديل الثالث: سبيل النجاة لإيران ومنطقتنا المنكوبة؟

أمد/ المدخل:
أنا، كإنسان سوري وعربي مسلم، أكتب هذه الكلمات بنظرة تحمل ألم السنين وأمل التغيير. بعد حرب استمرت 12 يومًا بين إسرائيل والنظام الإيراني، انتهت بهدنة هشة، تركت آثارها تمتد إلى ما هو أبعد من ساحات القتال.
هذه الحرب، التي أشعلتها التوترات الإقليمية والصراعات السياسية، لم تكن مجرد نزاع عسكري، بل كشفت عن هشاشة النظام الإيراني الذي يعتمد على تصدير الأزمات لتثبيت سلطته. والمقاومة الإيرانية المعارضة لنظام الملالي، التي رحبت بالهدنة، أكدت التزامها بما يُعرف بـ”الحل الثالث”، وهو نهج يرفض بشكل قاطع استمرار الحرب أو المهادنة مع النظام الديني.
هذا النهج يدعو إلى دعم انتفاضة الشعب الإيراني لإسقاط الدكتاتورية لنظام الملالي، وهو ما يُعتبر السبيل الوحيد لتحقيق تغيير جذري في إيران، وبالتالي تخفيف معاناة الشعوب المجاورة، بما في ذلك الشعب السوري.
المقاومة كصوت للحرية والاستقلال!
المقاومة الإيرانية، التي تقودها حركات مثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تقاوم النظام الديني منذ عقود. هذه المقاومة ليست مجرد حركة سياسية، بل هي صوت يمثل الشعب الإيراني الذي يعاني من القمع والفقر والظلم.
والهدنة الأخيرة، رغم هشاشتها، فتحت نافذة أمل للمقاومة لإبراز هدفها الأسمى: تحرير الشعب الإيراني من قبضة نظام دكتاتوري يستخدم الحروب الخارجية كوسيلة لصرف الانتباه عن أزماته الداخلية. فالنظام الإيراني، الذي أنفق المليارات على دعم الميليشيات الطائفية والعسكرية في المنطقة، يواجه اليوم غضبًا شعبيًا متصاعدًا. وشعارات مثل “الموت للدكتاتور” و”لا للملالي”، التي غطت جدران طهران وأصفهان ومدن أخرى، ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن إرادة شعب يرفض الخضوع. هذه الشعارات تعكس تصميم الشعب الإيراني على استعادة كرامته وحريته، وهي رسالة قوية إلى العالم بأن التغيير قادم لا محالة.
جرائم النظام في سوريا
نحن كسوريين، لا يمكننا أن ننسى الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني في بلادنا بدعم نظام بشار الأسد، منذ انطلاق الثورة السورية في العام 2011، حيث قدمت إيران دعمًا عسكريًا وماليًا هائلاً للأسد عبر ميليشيات مثل حزب الله وقوات الحرس الثوري.
هذه القوات لعبت دورًا رئيسيًا في قمع الثورة السورية، وقتل الشعب السوري المتظاهر ضد نظام الأسد؛ حيث شاركت في قصف المدن، وتهجير الملايين، وقتل الناشطين. في مدن مثل حلب وحمص ودرعا ودير الزور التي شهدت دمارًا هائلاً بسبب هذا التدخل. على سبيل المثال، فإن حصار حلب الشرقية بين عامي 2012 و2016، الذي دعمته الميليشيات المدعومة من إيران، أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف. هذه الجرائم تركت جروحًا عميقة في قلوب السوريين، وجعلت من إسقاط النظام الإيراني مطلبًا مشتركًا بين الشعبين السوري والإيراني.
إضافة إلى ذلك، ساهمت إيران في تمويل وتسليح ميليشيات أجنبية أخرى، مثل فاطميون وزينبيون، التي جُندت من دول مجاورة للقتال في سوريا، مما زاد من وتيرة العنف والدمار. وهذه الميليشيات شاركت في عمليات عسكرية وحشية، استهدفت الأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. فعلى سبيل المثال، قصف مستشفى القدس في حلب عام 2016 أدى إلى مقتل عشرات المدنيين، بما في ذلك أطباء وأطفال.
هذا التدخل الإيراني السافر لم يقتصر على العمليات العسكرية، بل شمل أيضًا نشر الفكر الطائفي لتعميق الانقسامات بين السوريين. كما أنّ هذه السياسات جعلت من النظام الإيراني شريكًا مباشرًا في معاناة الشعب السوري، مما يعزز الحاجة إلى تغيير جذري في إيران لإنهاء هذا العبث الإقليمي.
تصاعد القمع وصمود الشعب الإيراني
بعد الهدنة الأخيرة، كثّف النظام الإيراني حملاته القمعية ضد المعارضين من حيث الاعتقالات الواسعة، والتعذيب في السجون، كما أنّ التهديدات ضد عائلات السجناء أباتت أدوات يومية للنظام في محاولته لكبح جماح المقاومة.
لكن هذه السياسات لم تنجح في إخماد روح التحدي؛ إذ إنّ “وحدات المقاومة”، التي تضم شبابًا ونساءً شجعانًا، تواصل نشاطها في الشوارع والجامعات. هذه الوحدات تنظم الاحتجاجات، وتوزع منشورات مناهضة للنظام، وتنشر شعارات تدعو إلى التغيير.
وأما تصريحات المسؤولين الإيرانيين، التي وصفت هذه الأعمال بـ”الاحتجاجات غير القانونية”، تكشف عن خوف النظام من تنامي قوة المقاومة. هذه الوحدات ليست مجرد مجموعات متفرقة، بل أصبحت شبكة منظمة تهدد استقرار النظام وتعطي الأمل للشعب الإيراني بأن التغيير ممكن.
بركان الغضب الشعبي
وصف مسؤول إيراني سابق إيران بـ”البركان الصامت”، وهو وصف دقيق يعكس الحالة الثورية للمجتمع الإيراني، فمنذ انتفاضة 2017، التي اندلعت بسبب الأزمات الاقتصادية والقمع السياسي، مرورًا باحتجاجات 2019 التي أشعلها ارتفاع أسعار الوقود، وصولاً إلى انتفاضة 2022 التي اندلعت بعد مقتل (مهيسا أميني) أظهر الشعب الإيراني رفضه القاطع للنظام.
هذه الانتفاضات لم تكن مجرد احتجاجات عابرة، بل كانت تعبيرًا عن غضب متراكم ضد نظام فشل في تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية. والنساء اللواتي لعبن دورًا محوريًا في هذه الانتفاضات، أصبحن رمزًا للتحدي، حيث رفعن شعار “المرأة، المقاومة، الحرية”. هذه الصرخات ليست مجرد شعارات، بل هي دعوة لإعادة بناء إيران على أسس الديمقراطية والمساواة.
فشل سياسات المهادنة
سياسات الغرب تجاه النظام الإيراني، سواء من خلال دعم نظام الشاه في الماضي؛ أو التفاوض حول البرنامج النووي في العقود الأخيرة، أعاقت تحقيق الحرية في إيران وسوريا. هذه السياسات، التي ركزت على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، تجاهلت انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الإيراني. فعلى سبيل المثال، الاتفاق النووي لعام 2015، الذي رفع العقوبات عن إيران، سمح للنظام باستخدام الأموال في تمويل ميليشياته في سوريا والعراق ولبنان، بدلاً من تحسين حياة الشعب الإيراني.
إنّ الحل الثالث يقدم بديلاً جذريًا! يتمثل بدعم انتفاضة الشعب الإيراني لإسقاط النظام. هذا الدعم لن يؤدي فقط إلى تحرير إيران، بل سيوقف تدخلات النظام في المنطقة، مما يعيد الأمل لشعوب المنطقة، بما في ذلك الشعب السوري.
دور المجتمع الدولي
إن دعم الحل الثالث يتطلب موقفًا واضحًا من المجتمع الدولي. كما أكدت السيدة مريم رجوي رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإن الشعب الإيراني لا يطالب بالمال أو السلاح، بل بحق المقاومة.
هذا الحق يمكن دعمه من خلال فرض عقوبات شاملة على النظام الإيراني، بما في ذلك تجميد أصول قادته ومنع تصدير النفط الذي يمول الميليشيات. كما يمكن تفعيل آليات مثل “الزناد” في الاتفاق النووي لزيادة الضغط على النظام. فالدول الغربية، التي طالما تحدثت عن حقوق الإنسان، مدعوة اليوم لتطبيق هذه المبادئ عمليًا من خلال دعم الشعب الإيراني في نضاله من أجل الحرية.
التضامن بين الشعبين الإيراني والسوري
كسوري، أرى في نضال الشعب الإيراني انعكاسًا لنضالنا. كلا الشعبين يعانيان من قمع أنظمة دكتاتورية تستخدم العنف لتثبيت سلطتها. إسقاط النظام الإيراني لن يحرر الشعب الإيراني فحسب، بل سيقطع يد التدخل الإيراني في سوريا، مما يتيح للشعب السوري فرصة بناء مستقبل خالٍ من الميليشيات والقمع. التضامن بين الشعبين الإيراني والسوري هو مفتاح التغيير في المنطقة، حيث يمكن أن يؤدي إلى استقرار إقليمي وإنهاء الصراعات التي غذتها إيران على مدى عقود.
الخلاصة
الحرب الخارجية، سواء في سوريا أو غيرها، لم ولن تحدد مصير إيران. الصوت الحقيقي الذي سيغير المعادلة هو صوت الشعب الإيراني الذي يطالب بالحرية والعدالة. الحل الثالث، الذي يدعو إلى دعم انتفاضة الشعب الإيراني، هو الطريق الوحيد لإسقاط الدكتاتورية وإقامة ديمقراطية حقيقية. هذا التغيير لن يفيد إيران فحسب، بل سيوقف جرائمها في سوريا ويعيد الأمل لشعوب المنطقة. إن دعم هذا الحل هو مسؤولية مشتركة بين الشعوب المضطهدة والمجتمع الدولي، لأن الحرية في إيران هي مفتاح الاستقرار في المنطقة بأسرها.