شهادات على مذابح الطحين

أمد/ قصة قصيرة
لم يحمل بندقية.
لم يهتف باسم فصيل.
لم يعلّق راية،
ولا خاض نقاشًا في وطنٍ أكلته البنادق.
كان يمشي في الصباح الباكر،
نحيلًا كظلٍ نسيته الشمس،
وحيدًا كصوت في مسجدٍ مهدوم.
حذاؤه مثقوب،
وصدره جائع.
قال لأمه قبل أن يخرج:
“سأجلب كيس الطحين، يا أمي. هذه المرة لن أعود خالي اليدين.”
قبّل جبهتها،
ربط الحزام على بطنه لا على خصره،
فالجوع إذا اشتدَّ، يُقعِد القلب.
في الطريق،
مرّ بجدارٍ كُتب عليه:
“المقاومة خيارنا”
ابتسم،
وقال: “وأنا أقاوم الجوع…”
كان يحمل كيس الأمل،
لا طحين فيه،
لكن قلبه كان ممتلئًا.
كان يعرف أن الحياة في غزة،
لا تُقاس بعدد الأنفاس،
بل بعدد المحاولات للنجاة.
عند الحاجز المُقنّع،
عند طلقة لا تسأل: جائع أم لا؟
سقط.
الطحين تناثر قبل أن يأتي،
والأم ما زالت تغلي الماء،
على نار الخشب،
تنتظر رائحة لم تصل.
مر كخبر سريع:
“استُشهد فلان، أثناء توجهه لنقطة إمداد…”
ونسوا أن يكتبوا أنه
كان جائعا،
مُنهكًا،
يائسا،
وأن ما كان يبحث عنه
ليس نصرًا عسكريًا،
بل رغيفًا صغيرًا… لا أكثر.
في قبره الآن،
ربما، حين قدمت له الملائكة طعامًا ساخنًا،
وربما شيئًا محلى بالسكر،
نظر إليهم بعينين شاحبتين من الجوع،
ثم همس:
“لن آكل وحدي… أمي تنتظرني على الباب قلقة،
وأطفالي آملون كثيرًا ألا يناموا الليل جوعى،
خذوا نصيبي إليهم…
فالجوع هناك… لا يموت.”