ساعة الزمن تعاند حماس: ما سبب نفاد الوقت في غزة؟

أمد/ إن القرار الاستراتيجي يتجاوز مجرد الحسابات العسكرية البحتة؛ فهو يتشكل بأبعاد معيارية، مسؤولية أخلاقية، إطار معرفي، ونظرة شاملة للعالم تتضمن الجوانب الثقافية والحضارية والدينية، بالإضافة إلى العمق التاريخي. أحد أهم محددات أي صراع هو البعد الزمني. فلكل عمل حربي مدة ضرورية لإنجازه، والوقت يلعب دورًا حاسمًا في حسم النزاعات. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لمصلحة من يفسر الزمن، ولمصلحة من يعمل في صراع غير متكافئ؟ يؤثر عامل الزمن بشكل مختلف على طرفي الصراع. فبينما قد يتمتع الطرف الأقوى بترف الوقت، فإن الزمن بالنسبة للطرف الأضعف أكثر حساسية وقيودًا بكثير. الرغبة في انتظار فرصة أكبر وأكثر ملاءمة للعمل الحربي تكون دائمًا مشروطة بمدى توافر الوقت. الغياب التام للتوازن بين طرفي القتال ينعكس بوضوح على أبعاد الزمن. نحن لا نتحدث عن فجوة في القوة فحسب، بل تمتد ارتدادات هذه الفجوة لتصبح أيضًا عدم توازن في الأبعاد الزمنية بين الطرفين غير المتكافئين. سيتضح في هذا المقال كيف يجب أن تنظر حماس إلى الزمن في قتالها ضد قوات الجيش الإسرائيلي في غزة، وكيف أن الوقت لا يعمل لمصلحة رهانات حماس. فالخيارات المتاحة أمامها مقيدة بمهلة زمنية قد تجعلها مستحيلة لاحقًا إذا لم يتم استغلالها بفعالية.
كلفة الزمن: لماذا لا يسعف الوقت حماس في غزة؟
في قلب الصراع الدائر، تتحول عقارب الساعة إلى خصم إضافي لغير المتكافئين، ففي غزة، يبدو أن الزمن ينفد بالنسبة لحركة حماس، ورهاناتها الاستراتيجية تُصبح أقل قابلية للتحقق مع كل يوم يمر. إنها حرب الزمن بامتياز، حيث لا يحسمها تفوق القوة العسكرية فحسب، بل أيضًا قدرة كل طرف على الصمود في سباق البقاء هذا.
تآكل القدرة على المساومة وتغير الأولويات
في بداية أي صراع، قد توفر الهجمات المسلحة نفوذًا للمساومة أو تجذب انتباهًا دوليًا، لكن هذا النفوذ يتآكل تدريجيًا. الزمن هنا يعمل ضد قدرة حماس على تحقيق أهدافها السياسية بنفس الأدوات. فالضغوط الداخلية والخارجية تتزايد، وحالة الإرهاق الشعبي تتفاقم، ما يحوّل استخدام القوة إلى استنزاف بلا عائد سياسي، وقد يُفقد شرعيته. كما أن رهان الصمود وتحمل التضحيات، الذي تعول عليه الفصائل غالبًا، ليس غير محدود. مع طول أمد الصراع وتدهور الأوضاع المعيشية، تتغير أولويات الناس من “التحرير” إلى “البقاء والحد الأدنى من الحياة الآمنة”. هذا التحول قد يؤدي إلى فقدان الدعم الشعبي ويجبر القيادة على مراجعة استراتيجياتها، فـعندما لا يكفي الصمود، تبرز كلفة الزمن في صراع غير متكافئ.
تحولات البيئة الإقليمية والدولية واستنزاف الموارد
لا يمكن لحماس أن تعول دائمًا على رهان الدعم الخارجي دون تغيير. فالتحالفات تتغير والمصالح الدولية تتبدل، وقد تُفرض قيود وعقوبات جديدة بمرور الزمن، مما يجعل هذا الدعم أقل استدامة ويزيد من عزلة الحركة. بالتوازي، فإن رهان الاستمرارية العسكرية يعاني من استنزاف مستمر. المخزون من الأسلحة والقدرات يتناقص بفعل العمليات الإسرائيلية المتواصلة، ويُصبح تعويضه شبه مستحيل تحت الحصار المستمر. مع مرور الوقت، تنخفض قدرة الحركة على مواجهة إسرائيل عسكريًا، ما يجعل الردع مستحيلاً ويُحوِّل أي استعراض للقوة إلى فعل بلا جدوى.
تكيّف الخصم وفقدان الفرص البديلة
الخصم ليس ساكنًا؛ فـرهان المفاجأة والتكتيكات الثابتة سرعان ما يفقد فعاليته. إسرائيل تُطور باستمرار تكتيكاتها المضادة وأجهزتها الاستخباراتية. ما كان رهانًا على إحداث صدمة يصبح أقل فعالية، ما يُجبر الطرف الأضعف المكشوف على تغيير استراتيجيته بشكل جذري أو تحمل نتائج الاستنزاف. هذا التركيز الكامل على الحل العسكري قد يؤدي أيضًا إلى فقدان الفرص البديلة، إذ تُغلق أبواب الحلول السياسية أو الدبلوماسية التي قد تكون متاحة في نقاط زمنية سابقة. عندما تتآكل القدرة العسكرية، قد تجد الحركة نفسها بلا خيارات أخرى، وتكون فرص التسوية السياسية قد ضاعت.
التغييرات الديموغرافية ومفترق الطرق الاستراتيجي
الصراع طويل الأمد يؤثر بعمق على الأجيال الجديدة. قد تنمو أجيال أقل التزامًا بالخطاب التقليدي للمقاومة المسلحة، أو أكثر ميلًا للبحث عن حلول عملية لإنهاء معاناتهم. هذا يغير القاعدة الاجتماعية التي تدعم الرهانات القديمة ويُضعف الشرعية الداخلية للمقاومة المسلحة.
في سياق حرب غزة، فإن رهانات حماس على “الكيانية المستقلة في غزة” و”الصمود العسكري” باتت مرهونة بشكل كبير بإطارها الزمني. يبدو أن هذا الإطار قد تجاوز نقطة العودة، وأصبح يؤدي إلى خسائر فادحة تتجاوز أي مكاسب محتملة. لهذا السبب، يُصبح الحديث عن “الانسحاب الذكي” المرتبط بإطار زمني محدد ضروريًا لإعادة تقييم الرهانات والخروج من دوامة العنف. إنها دعوة للتفكير بجدية في مفترق الطرق الاستراتيجي الذي يواجه حماس، وكلفة الزمن في غزة التي تدفع ثمنها الأرواح والبنية التحتية. هل حان وقت التخلي عن الرهانات الخاطئة؟