إيران في حالة عدم استقرار: أزمات متسارعة تهدد النظام وتؤجج حركة احتجاج شعبية

أمد/ وفقا لحالة من الأزمات الداخلية الحادة المتشابكة التي تهدد بتغيير جذري في المشهد السياسي والاجتماعي تشهد إيران هذه الأيام مخاضاً صعباً.. فالنظام الذي حكم البلاد على مدار أكثر من أربعة عقود يجد نفسه اليوم محاصرًا بموجة واسعة من التحديات التي تتفاعل مع بعضها البعض؛ من تدهور اقتصادي غير مسبوق إلى أزمات أمنية وسياسية فضلاً عن غضب شعب متصاعد يرفض استمرار الفساد والقمع المرهون ببقاء النظام.
أزمات داخلية تفوق التوترات الإقليمية
حتى وإن كانت إيران تواجه ضغوطًا دولية وعقوبات متجددة بسبب برامجها النووية والتدخلات في المنطقة فإن التحدي الأكبر يكمن في أزمتها الداخلية.. فالشعب الذي دفع ثمناً باهظاً بسبب الاستبداد والفقر والتضخم بدأ يتخطى مرحلة الصبر إلى مرحلة العمل والمقاومة مُعبراً عن ذلك بإضرابات واحتجاجات مستمرة ومتزايدة في مدن مختلفة.. وقد شملت هذه الإضرابات الشاملة فئات متعددة من المجتمع بدءاً من فقراء الحيّز العمراني إلى العمال والمتقاعدين والطلاب وغيرهم.
يعيش الاقتصاد الإيراني وضعًا معيشيًا مأساوياً حيث وصلت معدلات الفقر إلى مستويات قياسية، وأصبح حوالي 80% من السكان تحت مقياس خط الفقر فيما ترتفع الأسعار مع انقطاع الكهرباء والمياه بشكل متكرر الأمر الذي يعمّق حالة الاستياء الشعبي ويؤثر على حياة المواطنين اليومية.. كما شهدت مشاريع الإسكان الوطنية تأخيرات واحتيالات تسببت في غضب المجتمع وتعزيز شعور الإحباط من النظام.
انهيار السلطة الأمنية وخطر التفكك
تعاني قوات النظام الأمنية والعسكرية من تراجع حاد في حالتها المعنوية نتيجة تعدد الهزائم العسكرية وفقدان “العمق الاستراتيجي” في المنطقة.. وتكشف خسارة عدد من كبار القادة العسكريين عن ثغرات أمنية خطيرة أُرجئت إلى الفساد والخيانة والضعف الإداري مما يزيد من هشاشة النظام ويفتح باب الشك والاضطرابات بين صفوفه.. كما أن القمع المكثف واقتراب انتفاضات شعبية متوقعة دفع النظام إلى فرض حالة طوارئ غير معلنة، وتعزيز انتشار فرق الحرس الثوري في مدن كبرى مثل طهران للحيلولة دون تمدد الاحتجاجات؛ لكن هذه الإجراءات باتت مؤشرًا واضحاً على حالة الذعر الداخلي.
رهانات خامنئي والسياسة الصلبة
يجد المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه على مفترق طرق حرج بين خيار التراجع عن السياسات النووية والإقليمية التي يشدد عليها أو الاستمرار فيها رغم المخاطر الكبيرة، ويختار حتى الآن المضي قدمًا في سياساته متسلحًا بآليات القمع والتعبئة في محاولة منه للحفاظ على قبضته رغم أن استمرار هذه السياسات يهدد بزيادة عزلة إيران دوليًا وربما اندلاع نزاعات إقليمية أكبر تهدد النظام ذاته.
تصاعد نشاط المقاومة ووحدات الانتفاضة
في مقابل ذلك يزداد على الرغم من حملات الاعتقالات الواسعة والقمع العنيف نشاط المقاومة الإيرانية خاصة الأنشطة الميدانية لـ وحدات المقاومة المرتبطة بمنظمة مجاهدي خلق، حيث تمكنت هذه الوحدات وفقاً لمختصين من تصعيد عملياتها ضد مراكز السلطة، وأنها نفذت خلال العام الماضي آلاف العمليات التي تركزت على استهداف الحرس الثوري ومؤسسات القمع، وتحظى المقاومة أيضا بدعم شعبي متزايد داخل المدن والمناطق مع استمرار الاحتجاجات الأسبوعية، واستمرار عمليات العصيان المدني التي تعبّر عن رفض عميق لسياسات النظام القمعية، وتؤكد على الرغبة الوطنية بالتغيير.
السيناريو المحتمل ومستقبل إيران
أثبتت التجارب السابقة ومن بينها الحرب الإيرانية – العراقية أن النظام قد يعاني من استنزاف داخلي خطير عندما يفقد شعبيته وقياداته الشرعية والسلطة الحقيقية، ويواجه الحراك الشعبي المنظم، وتشير المعطيات الحالية إلى أن إيران مقبلة على مرحلة حاسمة قد تكون انتفاضة شعبية واسعة تُجبر النظام على تغيير جذري، أو ربما تؤدي إلى سقوط كامل وفقًا للعوامل الداخلية والخارجية.
في ظل هذه التحديات المتشابكة لا يتوفر لدى النظام خيارٌ واضح يخرجه من أزمته سوى عبر تخليه الطوعي عن سياسات القمع والتدخل الإقليمي، والإقرار بحالة الفشل الداخلي التي يعيشها، والانخراط في حوار شامل مع المعارضة التي تمثل صوت الشعب الرافض للحكم الدكتاتوري، وهذا الخيار في حد ذاته خيار غير ممكن.
دعوة للاستجابة الوطنية والدولية
يبقى الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة هما العاملان الرئيسيان لتحقيق التغيير المنتظر.. وعليه تحتاج القوى الوطنية والدولية الداعمة لحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية في إيران إلى تقديم دعم فعّال للمقاومة، وتعزيز سبل الضغط على النظام لوقف القمع وفتح المجال لإجراء تغييرات سياسية جذرية.
إن مستقبل إيران مرهون اليوم بقدرة الشعب على التعبير عن إرادته شأنه شأن الشعوب الحرة في عالم اليوم والاعتراف بحقوقه المشروعة في الحياة والكرامة والحرية بعيداً عن الاستبداد والفساد.