انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني: هل هي انقسام أم تلاعب بالعقول؟

انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني: هل هي انقسام أم تلاعب بالعقول؟

أمد/
قرر رئيس السلطة ومنظمة التحرير ودولة فلسطين محمود عباس وعلى نحو مفاجىء إجراء انتخابات المجلس الوطني نهاية العام الجاري. جاء القرار المفاجئ على عكس الحوارات ووثائق التفاهمات الفلسطينية السابقة، ومناقضاً لفكرة الحزمة الكاملة المتفق عليها، المتضمنة إجراء انتخابات الرئاسة والتشريعي والوطني معاً، وبالعموم، يعكس القرار انفصام الرئيس محمود عباس عن الواقع، والتذاكي للتمسك بالسلطة والبقاء في المناصب المتعددة ضد إرادة الناس وحتى الطبيعة، كوننا نتحدث عن رئيس تسعيني مقابل شعب شاب وحيوي.

إذن، وعلى حين غرة، قرر الرئيس محمود عباس أمس السبت 19 تموز/يوليو إجراء انتخابات للمجلس الوطني نهاية العام الجاري، أي بعد أربعة أشهر تقريباً مع تشكيل لجنة لتنفيذ القرار من مقربيه وموظفيه، على أن يتم تحديد الموعد النهائي للانتخابات خلال أسبوعين.

 

إجحاف بحق اللاجئين

بداية يعتبر المجلس الوطني بمثابة البرلمان الجامع ويفترض أن يمثل الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة بالداخل والخارج، وحسب قرار محمود عباس الأخير، سيكون ثلثا أعضائه ال 350 من الداخل والثلث فقط من الخارج، في إجحاف واضح بحق اللاجئين وفلسطينيي الشتات الذين يبلغ عددهم نصف الشعب الفلسطيني على الأقل وبالتالي من العدل والانصاف أن يكون تمثيلهم بنفس النسبة. 

بالحقيقة، يستبطن الإجحاف أيضاً سياسة التخلي عنهم، بعدما حدث ذلك وبأثر رجعي منذ تأسيس السلطة نفسها قبل ثلاثة عقود، بينما فهم القائد التاريخي أبو عمار مغزى التأسيس وتداعياته على اللاجئين بالخارج ما يفسر حرصه على إبقاء الصلات حاضرة معهم قدر استطاعته، ولو من بوابة الواجبات الانسانية تجاههم فيما يتعلق بالرواتب وما إلى ذلك من التزامات.

منهجياً أيضاً، يأتي القرار عكس كل الحوارات والتفاهمات الفلسطينية السابقة بما فيها قرارات محمود عباس نفسه، المتحكم بكل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، -مجازاً طبعاً حيث لا نملك سلطات فعلية وجدية بظل تحكم وسيطرة الاحتلال التامة على الضفة وغزة – والمتضمنة إجراء الحزمة الانتخابية الكاملة للرئاسة والتشريعي، بصفته برلمان السلطة والوطني الجامع حيثما أمكن مع اعتبار نواب التشريعي أعضاء بالوطني كذلك. 

 

انتخابات في الداخل فقط

يعرف عباس جيداً أنه من المستحيل تقريباً إجراء الانتخابات بالخارج حيث يقيم معظم اللاجئين بالدول العربية الثلاث “سوريا ولبنان والأردن” ومن الصعوبة بمكان وحتى من المستحيل إجراءها هناك نظراً للظروف الأمنية القاهرة في سوريا ولبنان والواقع الهش الحساس والمتداخل بالأردن. 

هذا يعنى إجراء الانتخابات في الداخل فقط، وبظل الأوضاع الراهنة في قطاع غزة فسيكون من المستحيل إجرائها أيضاً مع احتمال أن تستمر الحرب لنهاية العام، رغم هدنة الشهرين المتوقعة من بداية آب/أغسطس حتى تشرين الأول/أكتوبر، وحتى لو لم يحدث وانتهت الحرب ولو بشكل غير رسمي، فالظروف غير مناسبة  أبداً لإجراء الانتخابات خلال شهور قليلة، مع الانتباه إلى حالة الدمار الشاملة بالقطاع، بظل سقوط مائتي ألف شهيد وعدد مماثل من الجرحى والمصابين، ومليوني نازح وتدمير بالبنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة بنسبة 88 بالمائة، كما قال مكتب الاعلام الحكومي الجمعة قبل ساعات من الاعلان رسمياً عن قرار عباس الذي كانت اللجنة التنفيذية التابعة له –البالغ متوسط أعمار أعضائها 70 عام تقريباً- قد اتخذته  مساء الخميس 17 تموز/يوليو.  

 

انتخابات على مقاس عباس

وعليه يمكن الاستنتاج من المعطيات والحقائق والوقائع السابقة وهو ما يقف مباشرة في خلفية قرار عباس حقيقة إن الانتخابات ستجرى فعلياً في الضفة الغربية فقط، رغم الظروف الراهنة وغير الملائمة فيها أيضاً مع تدمير الاحتلال مخيمات الشمال بجنين وطولكرم والفارعة، وتشريد أهلها واستفحال الاستيطان والتهويد والتوغلات والاجتياحات العسكرية اليومية حتى برام الله ومحيط المقاطعة نفسها، وبالطبع سترفض اسرائيل إجرائها بالقدس كما فعلت قبل سنوات، ولا يستطيع عباس إجبارها على العكس على افتراض أنه يريد ذلك، وكان قد اضطر إلى إلغاء إجراء الحزمة الانتخابية الكاملة بالعام 2021 وفق الروزنامة التي حددها شخصياً بحجة رفض الاحتلال إجرائها بالقدس زمن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي دعمت الانتخابات ولكن لم تتمكن من الضغط على حكومة الثلاثي، نفتالى بينيت- يئير ليبيد- بينى غانس، للموافقة عليها رغم أنها أقل تطرفاً وأكثر واقعية ولو نسبياً من حكومة  بنيامين نتنياهو-بتسلئيل سمورتيتشس-ايتمار بن غفير الحالية، الرافضة والماضية في خطوات فعلية لضم الضفة الغربية بغياب أي تصور واضح من إدارة دونالد ترامب تجاه الحل النهائي للقضية الفلسطينية.  

هذا يعنى ببساطة إن عباس يريد انتخابات على مقاسه بدون غزة والخارج والقدس وبالضفة فقط تحت قبضة أجهزته الأمنية سيئة الصيت، ثم سيتكفل بتعيين أكثر من نصف أعضاء المجلس الوطني، ما يؤكد أننا أمام انتخابات معلبة وشكلية وصورية على طريقة منظومات الاستبداد الساقطة بالعالم العربي لإحكام قبضته وإطالة قيادته غير الشرعية وغير الميثاقية للشعب الفلسطيني.

لغم إضافي وغير مسبوق زرعه عباس في قرار اجراء الانتخابات يتعلق بضرورة اعتراف المرشحين ببرنامج منظمة التحرير السياسي والتزاماتها وقرارات الشرعية الدولية، في خلط بين المنظمة نفسها كوطن معنوي للفلسطينيين واللجنة التنفيذية أو الحكومة التي تديرها، ومنطقي أن البرنامج السياسي مرشح للتغيير من خلال أي لجنة جديدة شرعية ومنتخبة وتعبر فعلاً عن المزاج العام للشعب الفلسطيني بالداخل والشتات.

في الأخير لابد من الإشارة الى مغزي رفض عباس إجراء الحزمة  الانتخابية الكاملة للرئاسة والتشريعي والوطني وهو أمر مستهجن كون الحزمة عموماً والرئاسية منها خصوصاً تمثل الخطوة الأولى للإصلاح المطلوب ضمن خريطة الطريق الواقعية والصحيحة المتضمنة استعداد عباس لتسليم السلطة لحكومة توافق وطني مصداقة وجديرة، أو على الأقل منحها الصلاحيات الواسعة التي طلبها هو نفسه من الرئيس ياسر عرفات عند ابتداع منصب رئيس الوزراء بالعام ،2003 على أن تأخذ الحكومة على عاتقها تولي السلطة كاملة بغزة والاشراف على التعافي وإعادة الاعمار بعد إيقاف الحرب فيها، مع تهدئة عامة تشمل الضفة أيضاً وإنهاء الانقسام  وتوحيد المؤسسات وخلق بيئة مناسبة لإجراء الحزمة الانتخابية الكاملة في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات ضمن أفق ومسار سياسي جدي لحل القضية الفلسطينية، يتجاوز منطق وذهنية العودة إلى مساء 6 تشرين أول/أكتوبر 2023 بغزة والضفة على حد سواء .

عن المدن