دلالات تصريحات السفير الأميركي: المخاوف الأمريكية وتهور المستوطنين في الضفة الغربية

دلالات تصريحات السفير الأميركي: المخاوف الأمريكية وتهور المستوطنين في الضفة الغربية

أمد/ في مشهد لافت لا يخلو من الدلالات السياسية العميقة، قام السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكابي، بزيارة قرية الطيبة شرق رام الله في الضفة الغربية المحتلة، عقب الاعتداء الذي طال كنيسة القديس جاورجيوس التاريخية على يد مستوطنين إسرائيليين.

وأكد هاكابي خلال زيارته ضرورة محاسبة من ارتكبوا هذا الفعل، محذرًا من الاكتفاء بتوبيخهم، ومطالبًا بأن “يدفع الناس الثمن إذا دمّروا ما هو مقدّس ويخص الله”.
هذه التصريحات، التي تبدو استثنائية من مسؤول أميركي إنجيلي معروف بولائه لإسرائيل، تحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز حدود التضامن الرمزي، وتكشف عن تحولات نسبية في مقاربة واشنطن تجاه انفلات المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية.
أولًا: قلق أميركي متنامٍ من انفلات المستوطنين
تأتي تصريحات هاكابي في ظل تصعيد غير مسبوق لاعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، بما في ذلك دور العبادة الإسلامية والمسيحية. هذا التصعيد، الذي يجري تحت حماية جيش الاحتلال، أثار مخاوف متزايدة لدى الأوساط الأميركية من أن يؤدي إلى انفجار شامل في الضفة الغربية، وهو ما قد ينسف أي جهود أميركية لإبقاء الوضع تحت السيطرة في إطار الأولويات الإقليمية للإدارة الأميركية.
القلق الأميركي هنا لا ينفصل عن الإدراك بأن المستوطنين المتطرفين باتوا يشكلون “دولة داخل الدولة”، ويهددون حتى المصالح الإسرائيلية كما تراها واشنطن، ناهيك عن صورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي.
ثانيًا: الحفاظ على صورة أميركا أمام العالم المسيحي
زيارة هاكابي وتصريحاته جاءت في أعقاب اعتداء طال كنيسة بيزنطية تعود للقرن الخامس الميلادي في بلدة ذات أغلبية مسيحية. واشنطن، التي تواجه انتقادات متنامية بسبب انحيازها السافر لإسرائيل، تجد نفسها مضطرة لتقديم صورة مختلفة أمام قواعدها الدينية المسيحية في الغرب، لا سيما الكنائس التي تربطها علاقات قوية بالمجتمعات المسيحية الفلسطينية.
من هنا، فإن تصريحات السفير تحمل بعدًا رمزيًا يسعى إلى إظهار حرص أميركي على حماية المقدسات، حتى وإن لم تترافق مع خطوات عملية على الأرض.
ثالثًا: ضغوط على حكومة نتنياهو أم امتصاص للانتقادات؟
رغم لهجتها الصارمة نسبيًا، تبقى تصريحات هاكابي في إطار التحذير الناعم لحكومة نتنياهو بضرورة ضبط المستوطنين. لكنها في الوقت ذاته تكشف عن حدود السياسة الأميركية التي لا تزال عاجزة عن الانتقال من مرحلة الأقوال إلى الأفعال، إذ لا توجد مؤشرات على نية واشنطن فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات حقيقية ضد إسرائيل في حال استمرار هذه الاعتداءات.
هنا يبدو الموقف الأميركي وكأنه محاولة لامتصاص الغضب الدولي دون الاصطدام باللوبيات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة.
رابعًا: بين الرمزية والواقع الميداني
في الميدان، يستمر المستوطنون في اعتداءاتهم اليومية على القرى الفلسطينية، بينما يوفر جيش الاحتلال الغطاء والحماية لهم. ومع غياب أي محاسبة قضائية إسرائيلية، بات الفلسطينيون أمام واقع يشير إلى سياسة رسمية لتفريغ مناطق واسعة من سكانها الأصليين عبر الترهيب الممنهج.
تصريحات السفير الأميركي، وإن بدت لافتة، إلا أنها تظل عاجزة عن تغيير هذه المعادلة ما لم تترافق مع ضغط سياسي واقتصادي جاد على حكومة الاحتلال.
تصريحات السفير الأميركي مايك هاكابي تعكس قلقًا أميركيًا شكليًا أكثر من كونه تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. فهي موجهة بالدرجة الأولى للحفاظ على صورة واشنطن أمام العالم المسيحي واحتواء انتقادات الداخل الأميركي، لكنها تكشف أيضًا عن وعي متزايد بخطورة انفلات المستوطنين على استقرار الضفة الغربية.
في النهاية، سيبقى الرهان على قدرة الفلسطينيين على تدويل ملف اعتداءات المستوطنين وكشف تواطؤ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بما يحوّل هذه الجرائم من “حوادث فردية” كما تحاول إسرائيل تصويرها إلى سياسة ممنهجة ذات أبعاد عنصرية واستيطانية تستدعي محاسبة على المستوى الدولي.