حماس: من نشأتها إلى “الطوفان” – ما الذي حققته؟ وماذا كسبنا نحن؟

أمد/ منذ تأسيسها عام 1987 كامتدادٍ لتنظيم الإخوان المسلمين، انطلقت حركة “حماس” تحت شعار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ورفعت لاحقًا شعارات “تحرير فلسطين من البحر إلى النهر”، و”الإسلام هو الحل”، في مزيجٍ من العقيدة والبراغماتية السياسية.
غير أن تجربة الحركة في الميدان، منذ الانتفاضة الأولى وحتى “طوفان الأقصى”، تكشف عن مسارٍ متعرج تتخلله تحالفات متناقضة، وتمركز حزبي مفرط، ونتائج كارثية طالت المشروع الوطني والشعب الفلسطيني برمته، خاصةً في قطاع غزة.
مقاومةٌ بلا مشروعٍ وطني جامع:
لأكثر من ثلاثة عقود، ظلت “حماس” ترفع راية المقاومة، لكنها لم تعمل على تأسيس رؤية وطنية شاملة تكون جزءًا من الكل الفلسطيني، بل نشطت لتكون بديلًا عن منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني، ومع كل جولة تصعيد عسكري، كانت الحركة تُصعّد من خطابها التعبوي، لكنها في الواقع تعيد إنتاج الحلقة المفرغة ذاتها:
مواجهة محدودة، تدمير شامل لغزة، ثم هدوء هش مقابل تسهيلات شكلية ومساعدات إنسانية تُستخدم كأوراق ضغط وإذلال للشعب.
من “الأنفاق” إلى “الطوفان”، قدمت “حماس” نماذج متكررة لمفهوم المقاومة، دون حسابات سياسية دقيقة، ودون حماية الظهر الشعبي الذي يتحمل دومًا الكلفة الأبهظ.
آخر هذه النماذج كان في 7 أكتوبر 2023، عبر عملية “طوفان الأقصى”، التي وإن هزّت إسرائيل في ساعتها الأولى، فقد فتحت على الفلسطينيين بوابة جهنم من العدوان الشامل.
كارثة “الطوفان” وملامح نكبة متجددة:
الرد الإسرائيلي على عملية “الطوفان” تخطى حدود أي تصعيد سابق: أكثر من 250,000 شهيد وجريح ومفقود، ودمار هائل طاول البنى التحتية والمستشفيات والمدارس، ونزوح أكثر من 1.9 مليون شخص، وفق تقارير الأمم المتحدة حتى يوليو 2025. الجوع والمجاعة ضربت شمال القطاع ووسطه وجنوبه، والكارثة البيئية والإنسانية مرشحة للتفاقم أكثر وأكثر ….
ولا زالت خطط التهجير والاقتلاع لسكان غزة هي المحرك لإستمرار العدوان .. وجعل الحياة مستقبلاً مستحيلة في قطاع غزة المدمر ….
في هذا السياق، لا يمكن القفز عن المسؤولية السياسية والأخلاقية لحركة “حماس”، التي قررت خوض معركة كبرى دون العودة إلى الإجماع الوطني أو حتى التنسيق مع بقية الفصائل، مكتفية بإدارتها الفردية للقطاع، ومستندة إلى وعود من حلفاء إقليميين ثبت تراجعهم عند لحظة الحسم.
تشويه “فتح” وانقسام الذات الفلسطينية:
أحد أخطر ما قامت به “حماس” كان شيطنة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، ونسف كل إنجاز سياسي تحقّق عبر عقود من النضال، بدءًا من الاعتراف الدولي بفلسطين، ومرورًا بالعضوية في الأمم المتحدة، وانتهاءً بإبقاء القضية حية على جدول العالم.
فبدل أن تكون “حماس” رافعة للمشروع الوطني، تحولت إلى أداة لإضعافه وتشتيته وتدميره، وأدخلت الشعب في نفق الانقسام الدموي منذ انقلابها في 2007 م …..
الغريب أن اليسار الفلسطيني، رغم تبنيه لمشروع علماني وتقدمي، لم يصطدم فعليًا مع البنية الفكرية الدينية التي قدمتها حماس، وكأن ثنائية “المقاومة” و”التدين” كفيلة بتعطيل النقد السياسي والتحليلي الجاد.
هل استفاد الشعب من مقاومة “حماس”؟
الجواب الموجع: لا. الشعب لم يستفد، بل دفع أثمانًا مضاعفة، في حين استفادت “حماس” من بقاء القطاع تحت سيطرتها، وتحقيق حضور إقليمي ضمن محور الممانعة.
أما المشروع الوطني، فقد أصيب بشلل استراتيجي، بينما تتقدم رؤية اليمين الصهيوني المزدوج: إبقاء غزة معزولة ومدمرة تحت حكم ” حماس “، وإنهاء حل الدولتين من خلال تكريس الاستيطان في الضفة والقدس، وسط تفكك الذات الفلسطينية وانشغالها بصراعات داخلية.
مستقبل “حماس”… ومستقبل غزة:
المستقبل يبدو قاتمًا إن لم يحدث تحول جذري. فـ”حماس” أمام خيارين: إما أن تُعيد تموضعها ضمن رؤية وطنية شاملة تنبذ الانقسام وتعيد الاعتبار للمشروع الوطني، أو أن تُستنفد وتُستبعد كقوةٍ مأزومة أرهقتها التجارب والمآزق.
أما قطاع غزة، فسيظل يعاني ما لم يُكسر الحصار، وتُعاد إليه الشرعية الوطنية والمؤسسات الجامعة، وتتوقف السياسات الأحادية التي أدّت به إلى هذا الوضع الكارثي.
هل لا يزال الاحتلال يستفيد من وجود “حماس”؟
بكل وضوح: نعم.
الاحتلال الإسرائيلي يربح من استمرار “حماس” كسلطة أمر واقع في غزة، إذ تُستخدم كفزاعة في المحافل الدولية لتبرير القمع والاستيطان، وتُستغل لتعطيل الوحدة الفلسطينية، بل حتى لتحفيز بعض الدول على التطبيع بحجة مواجهة “التطرف الإسلامي”. يقول المحلل الإسرائيلي “باراك رافيد” في تقرير لقناة “واي نت” (يناير 2024): “ما دامت حماس تحكم غزة، فإن فكرة الدولة الفلسطينية ستظل مجمدة في الثلاجة الدولية.”
ختاماً: إن استمرار حركة “حماس” في هذا المسار، دون مراجعة وطنية جريئة، يعني المزيد من الدمار لغزة، والمزيد من التشويه للمشروع الفلسطيني، والمزيد من المكاسب للاحتلال، وحدها العودة إلى الإجماع الوطني، ونبذ الحكم: الفصائلي، والاعتراف بتعقيدات الصراع وتوازناته، يمكن أن يُعيد الأمل بترميم ما تهدم، وبعث ما كاد أن يُدفن من حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.