قصيدة الشاعرة التونسية البارزة صباح نور الصباح: “فينوس تلهم جوبيتر! نغم يلامس مشاعر القلب.”

قصيدة الشاعرة التونسية البارزة صباح نور الصباح: “فينوس تلهم جوبيتر! نغم يلامس مشاعر القلب.”

أمد/ من المعلوم أنَّ الحبَ كحالة إنسانية سامية،وما يكتنفه من لواعج العشق وصور الجمال،شكل على مدى العصور حافزاً قوياً لإثارة إبداع الشعراء، فضلاً عن مساهمة إبداعية المنجز الشعري بفاعليةٍ في تميز بعض الشعراء عن نظرائهم.ولا ريب أنَّ إبداعَ الشاعر يرتكز بشكلٍ أساس على الموهبة المقترنة بتنوع مصادر المعرفة التي يوظفها هذا الشاعر أو ذاك لرغبةٍ جامحة في التعبير عما يشعر به،أو قد يوجه بوصلتها نحو بلوغ المجد والإحساس بالتميز حيناً ما،مع العرض أنَّ الشعورَ الخفي الذي يؤرق الشاعر،ويرغب البوح به قصد إيصاله إلى المتلقي،يبقى على الدوام رهين ما يمتلكه من أدواتِ البناء الشعري التي بوسعها ترجمة ما بداخله من رؤى،وما يطرق في ذهنه من هواجس.والشاعرة التونسية المتميزة صباح نور الصباح توحي لنا من خلال قصيدتها العذبة ( فينوس تُلهِم جوبيتر)،أنها كابدت حال الابتلاء لتعبر حال الجمال،وهي تهيء لمقام المكاشفة.وتحولات الذات الشاعرة وما تكابده في هذا المسار هو نسغ القصيدة وقوامها،فالمعشوق جمال سني في جماله انسَكبت الدوالي في كأس العاشق،لتشرب منه الشاعرة فتزداد عطشا،وما الكأس هنا سوى العشق.وتصور الشاعرة في القصيدة تجليات هذا العشق ومراقيه،ومعجم العشق يسير نحو الكشف المشتهى: (الشوق،العناق،الوجد،الرجفة،الإرتواء..) وهو أيضا( الكأس) عنصر تكويني فِيْ بناء النص،كَمَا يحضر فِي لبوس مجازي حَيْثُ تستعير الشاعرة -النبيذ-ومفرداته لاستعمالات أخرى،فتتداخل فِيْ هَذَا الخطاب الدلالات الحسية بالدلالات المعنوية..وما القصيدة إلا الفضاء الرمزي،الذي يعيد فيه الشاعر تكوين العلاقة العاطفية،التي عاشها بغية الوصول إلى الفردوس المنشود..
وهذا الطواف في القصيدة ما نحسب أننا أوفيناها حقها أو أننا أحطنا بكل دلالاتها وألقها،ويكفي أننا تضمخنا بعشقها..وارتوينا ب”كأسها” ورقصنا على ايقاعها ” رقصة زوربا اليوناني” وقد بلغ بنا العشق الصوفي،حدود الإنتشاء..
ختاما أقول : إن هذه القصيدة المترعة بالعشق الصوفي ” فينوس تُلهِم جوبيتر ! “من النصوص الشعرية التونسية الأكثر جمالية من حيث التصوير والكتابة.نص عميق،نحت من أجل الخلود في عالم الكتابة الرومانسية..

“فينوس(1) تُلهِم جوبيتر !” -( 2)

رجفة الخلق
وسكرة الموت أنت!
سيد البدء
رب المآل
يا من غيابه الكفر
ووصاله الإيمان
أنت الحضارة في أوجها
وهذا القلب تتار..
نزق هو العمر حين حضورك
يوارب به الزمن نحو الهرم
ويجرفه نهرك لضفاف الشباب
فلا تجفف الماء بالقحط
ولا تلهب الشوق بالغياب
ليس أشد من الضمإ بعد ارتواء الماء بالماء
وليس أعتى من الشوق على قيد عناق..
ما أنا يا سيدي بنبيّة في قومي
ولا أنا بناسكة في محراب
لكني بهذا العشق غدوت:
فينوس تُلهِم جوبيتر
إنانا تشعل حرائق الخضرة في اليباس
أنخيدوانا-3- تسكب نبيذ السحر في كأس الشعر وتقيم قدّاس الشعراء..
فماذا لو أعددت لي من ماء التكوين
مناسك التحلل من طيني
ومن نبوءة الضوء في مقلتيك سكبت وحيك في روحي لأقيم شعائر التحليق..
فكما طيور إبراهيم-4-
هذا الفؤاد قبلك كان مِزقًا
وكمعجزة من الله حبك كان قيامتي بعد ممات..
فتعال!
تعال نتقاسم النهايات: منك نبيذ العشق ومني سكر اللقاءات..
هيا اسكب لي كأسا معتقة من حميم وجدك
لأجمع “صباحاتي” ونصلي جماعة في الفردوس الممتد بين ذراعيك
تعال نلوب سويا بين عشب وماء،
نضخ النسغ في هذا اليباس
فأستحيل عشتار الماء
وتغدو بروميثيوس-5-النار..
صباح نور الصباح
تونس : 17-07-2023

هوامش :

1-فينوس: إلهَةُ الحب والجمال والرغبة والجنس والخصوبة والرخاء والنصر لدى الرومان
2-جوبيتر:معبود روماني كملك للآلهة و إله للسماء والبرق.
3-إنخيدوانا : الأميرة الأكدية من بلاد الرافدين، وأقدم شاعرة عرفها التاريخ والكاهنة العليا التي وحَّدت الحضارتين الأكدية والسومرية باستخدام الدين.
4-طيور ابراهيم : فقد جاء ابراهيم عليه السلام فى قوم يعبدون الأصنام،ولا يعرفون لله طريقا، وقد بدأ بالتعرف على الله عز وجل من خلال تأمله فى كونه البديع العظيم، ومن بعد الشمس، والكواكب قال إنى لا أحب الغافلين،وانى أعبد رب السموات والأرض،وقد آمن بالله واصطفاه ربه ليكون رسولا وداعيا لله فى قومه،ولكنه أيضا كان مازال يريد أن يرى عظمة الله وقدرته،ولكن ليس ليؤمن  ولكن ليطمئن قلبه باليقين بالله عز وجل، وقد طلب من الله أن يريه قدرته فى كيفية إحياء الموتى،اى ليكون عقله شاهدا متيقنا بعملية البعث واحياء الموتى من جديد،وقد  أمره الله عز وجل بأن يأتى بأربعة من الطير وان يذبحهم ويقطعهم الى أجزاء ثم يضع على كل جبل جزء منها،ثم أمره الله بأن ينادى عليهما،ليأتوا اليه سعيا.
ولتكون شاهدا على قدرة الله وعظمته فى إحياء الموتى وبعثهم إلى الحياة من جديد،وتكون احدى المعجزات الخاصة بإبراهيم عليه السلام،وقد ذكرت بعض التفاسير والأدله بأنه كانت أربعة من الطير مختلفة الأنواع.
5-بروميثيوس:هو عملاق حارب في صف اللآلهة الأولمبية ضد العمالقة في الحرب العظمى،وقد كان ذو حنكة ودهاء ومحبب للبشر..قصته من أهم القصص في الميثولوجيا الغربية إن لم تكن أهمها على الإطلاق،وترمز القصة لمضامين ودلالات هائلة في الفكر والتاريخ الغربي.