التصدعات الجذرية في النظام الإيراني وآفاق التغيير الديمقراطي

التصدعات الجذرية في النظام الإيراني وآفاق التغيير الديمقراطي

أمد/ يواجه النظام الإيراني اليوم أزمة حادة مركبة تتجاوز مجرد الخلافات السياسية إلى تآكل حقيقي في قواعد سلطته وهياكل حكمه؛ بعد الحرب التي اندلعت مؤخرًا بين النظام الإيراني والكيان الصهيوني، وتجدد الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة بات النظام يدور في دوامة من الانقسامات الداخلية والصراعات المتصاعدة بين أجنحته.. في مقابل هذه التصدعات تتعزز وتتنامى قوة الحراك المقاوم الذي بات يشكل أملًا حقيقياً لإحداث تغيير ديمقراطي شامل ما يجعل المشهد الإيراني اليوم في مفترق طرق حاسمة قد تحدد شكل المستقبل السياسي للبلاد والمنطقة.

ادعاءات الدعم الشعبي والحقيقة الاجتماعية

في خطاب ألقاه خامنئي بتاريخ 16 يوليو 2025 أكد على ثقة الشعب وإرادته الوطنية في مواجهة “العدو الخارجي” وجاء الخطاب متزامناً مع تصريحات لمسؤولين كبار مثل رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي ادعى أن “النواة الصلبة للنظام هي 90 مليون إيراني”.. وإدعاءات محمد باقر قاليباف هذه تخالف الواقع على الأرض حيث يسود القلق والرفض الشعبي كما أنها تخالف اعترافات سابقة له تتنافى مع قوله هذا تماماً.. ويدرك أهل العلم جميعا بأن ذلك لا يتخطى كونه خطابا تعبوياً لا يتماشى أبدا مع سياسة القمع التي يعتمدها نظام ولاية الفقيه ضد شعبه وضد كل من يخالفه الرأي.. حيث يعاني الشعب الإيراني الذي يرفض السياسات القمعية والفساد المتفشي.. يعاني من وحشية أجهزة قمعية مثل “شرطة الإرشاد” وسائر الأجهزة القمعية الأخرى السري منها والعلني.

 ما يمكن فهمه مباشرا ودون أي عناء في البحث والتحليل خاصة بعد تجربة أكثر من أربعة عقود ونصف على وجود نظام الملالي الحاكم في إيران هو أن الهوة بين النظام والشعب واسعة جدا ولا يمكن اختصارها بمؤيدي النظام القلائل المنتفعين منه وأكثرهم ذوي منافع ومصالح وليسوا بالضرورة مؤمنين بالنظام سياسياً بقدر إيمانهم بما ينضح منه من منافع، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من الشعب الإيراني ليست معنية تماماً بشعارات النظام وتوجهاته علماً بأنها مدركة أن الأمر لا يتخطى كونها مجرد شعارات وأنهم يدفعون ضريبة المهادنة مع الغرب وحماقات كلا من الملالي والصهاينة على حد سواء؛ والاحتجاجات التي رفع فيها المتظاهرون شعارات مثل “عدونا هنا بيننا” و”لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران” خير دليل على ما ذكرناه كما أنها تعكس رغبة شعبية قوية في فصل الدولة عن المشروع الطائفي الحاكم ورفض التدخلات الخارجية التي تؤدي إلى مزيد من المآسي الاقتصادية والاجتماعية.. وهذا هو واقع الحال.

الانقسام الداخلي وعدم قدرة قيادة النظام على إدارة الأزمة

كشف الحرب الأخيرة عن خلافات حادة بين الحكومة وإيران ما يسمى بـ الحرس الثوري.. حيث ترفض الأخيرة تخفيف التوترات وتطالب بمزيد من السياسات الهجومية في وقت تحاول الحكومة الحد من تهاوي الاقتصاد المهترئ عن طريق التفاوض والتهدئة.

لقد أظهر هذا الصراع ضعفاً كبيراً في قيادة خامنئي الذي بدا عاجزاً عن توحيد الأجنحة ومواجهة موجة الخسائر في صفوف الحرس بسقوط كبار القادة، وقد ترافق ذلك مع تصاعد الخلافات الإعلامية المتبادلة التي تعكس تفككاً في وحدة النظام.

فرص التغيير الديمقراطي والمقاومة الإيرانية

في الوقت الذي يغرق فيه النظام في أزمته؛ يبرز المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق كقبطان سفينة تحررٍ سياسي حيث يملكان برنامجًا شاملاً بكافة الجوانب لتحقيق دولة مدنية ديمقراطية تخلو من الاستبداد والطائفية والعنصرية.

ضمن ثوابت هذا البرنامج الشامل تحدثت رئيسة المجلس مريم رجوي من قبل في البرلمان الأوروبي مُبينة ومؤكدة أن الحل لا يكمن في الحرب ولا المساومة.. بل في التغيير الديمقراطي بقيادة الشعب ومقاومته المنظمة، وهو ما يعرف بـ”الحل الثالث”، وتتضمن خطة المقاومة وبرنامجها عزماً على فصل الدين عن السلطة، المساواة بين الجنسين، الحكم الذاتي للأقليات، إلغاء العقوبات الجسدية، سيادة القانون، والخروج من برنامج الأسلحة النووية.. وقد حظيت هذه الخطة بدعمٍ واسع داخل إيران وخارجها بالتزامن مع تصاعد وتيرة عمليات المقاومة والاحتجاجات التي تديرها “وحدات المقاومة” في الشوارع.

تداعيات المنطقة والأفق المستقبلي

لم تؤدي سياسات النظام التوسعية العدائية في المنطقة ودعمه الميليشيات المسلحة سوى إلى عزلة دولية وإقليمية متزايدة وتوترات مستمرة مع تبعات الحرب وتأثيرها على مكانة النظام.. في مقابل ذلك فإن وجود بديل ديمقراطي قوي يعزز فرص استقرار أكبر ويدفع نحو تقليل النزاعات الإقليمية من خلال التفاهم والحوار.. كما أن دعم نضال الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية وبرنامجها الديمقراطي يفتح أفق مستقبلٍ جديد بعيد عن الحروب والاستبداد، ويكون هذا الدعم استجابة لمطالب الشعب وطموحاته نحو الحرية والديمقراطية.

في الختام.. نرى أن إيران اليوم تسير باتجاه تحولات مصيرية كبيرة بعد أن فقد النظام السيطرة والشرعية، ومع وجود شعب صامد يناضل من أجل الحرية والكرامة فإن الصراع بين النظام والمقاومة سيحدد مصير الدولة والمنطقة قريباً.