غزة تحت وطأة الفقر وطمع المستغلين: المواطن الكريم في مواجهة الفوضى

غزة تحت وطأة الفقر وطمع المستغلين: المواطن الكريم في مواجهة الفوضى

أمد/ لم تعد المعاناة في غزة محصورة في قصف الطائرات ولا في ركام البيوت ولا حتى في الغياب القاتل لأبسط مقومات الحياة. ثمة وجع أعمق، وجعٌ يتغذى من الداخل، من ممارسات شوهت معنى التكافل، ومسخت صورة الإنسان في لحظة اختبار القيم.

في ذروة الحاجة، وعلى مرأى من الجوع والدم، انكشف وجهٌ آخر للقسوة، لا يحمل بندقية، بل يرتدي أقنعة متعددة: تجار استغلوا غياب الرقابة ليرفعوا أسعار السلع إلى أرقام فاحشة، باعة تجاوزوا مفهوم الربح المشروع إلى سرقة موصوفة تحت سمع الناس وبصرهم، وجامعو تبرعات وموزعو مساعدات يفرزون المحتاجين وفق الولاءات، ويوزعون الحياة على مقاسات الانتماء لا الحاجة.

وتحولت بعض المؤسسات العاملة في مجال الإغاثة – التي يفترض بها أن تكون ملاذًا للضعفاء – إلى أدوات توزيع انتقائي، وأحيانًا إلى مظلات فساد مصغّرة، ينهب فيها “الموظف المحظوظ” حقوق من لا واسطة لهم.

في ظل هذه الصورة القاتمة، أُسقطت الكرامة من معادلة البقاء. بات المواطن المحترم، الذي يأبى التسوّل أو الانحناء، يعيش في عزلةٍ خانقة، عاجزًا عن تأمين قوت أطفاله، مستنكفًا عن التذلل في طوابير تدار بالهراوات والشتائم وأحيانًا الرصاص.

من لا يملك القوة، لا يملك الخبز. ومن لا يعرف “صاحب شاحنة” أو “مسؤول توزيع”، لا يرى الطحين. والضعفاء في غزة يموتون؛ بعضهم جوعًا، وآخرون اختناقًا تحت أقدام الساعين خلف ربطة خبز تُرمى من شاحنة مساعدة.

المشهد لم يعد فقط مشهد حرب، بل ساحة لصراع طبقي حاد، بين فئة تمسك بمفاتيح النجاة وتمنحها لمن تشاء، وأغلبية مسحوقة تسير على حد الكفاف، تقاوم الجوع بكرامتها، وتحاول النجاة من سكينين؛ سكين العدو الخارجي وسكين الداخل الذي بلا رحمة.

هنا، لا حاجة للرصاص كي تموت، يكفيك أن تكون نزيهًا، ضعيفًا، غير محسوب على أحد.

ومع هذا، لا بد من وقفة.

يكفي ما جرى ويجري…
لا بد من فتح ملفات المساعدات، ومحاسبة كل من جعل من حاجة الناس وسيلة للربح أو وسيلة للنفوذ.
يجب أن يُعاد الاعتبار لأولئك الذين ماتوا وهم واقفون، ورفضوا أن يبيعوا كرامتهم مقابل كيس طحين أو ربطة خبز.

ووسط هذا الليل، يظلّ الأمل في أهل غزة الذين لم تفقدهم القسوة إنسانيتهم.
أولئك الذين ما زالوا يوزعون ما لديهم على من حولهم، ويكتمون جوعهم من أجل أطفال الجيران.
في هؤلاء تكمن النجاة، ومن هؤلاء تبدأ المعركة الحقيقية لاستعادة الكرامة… والعدل.