انهيار اقتصاد الضفة: من يتحمل المسؤولية؟

انهيار اقتصاد الضفة: من يتحمل المسؤولية؟

أمد/ بين الحين والآخر، نرى مسؤولون في دول مختلفة يتحدثون عن أزمات اقتصادية تمر بها بلادهم، انعكاسًا على ما يحدث من صراعات سياسية حول العالم، ويسردون أسباب تلك الأزمات، البعض منهم يطالب بحلول، بينما البعض الآخر يطالب بمساعدات. إذن ماذا تفعل دولة محاصرة عسكريًا، أراضيها مُحلتة، منازلها تهدم، سكانها يستشهدون ويعتقلون يوميًا. هنا نتحدث عن فلسطين، التي تعاني ويلات الاحتلال منذ عقود، وتمر بأسوأ مرحلة سياسية في تاريخها.

 

وبنظرة تحليلية عميقة، سنجد أن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، سواء الذين يتم اعتقالهم أو قتلهم، بالإضافة إلى عمليات هدم المنازل، الهدف الرئيسي وراءها هو تغيير الطبيعة الجغرافية للضفة الغربية، في محاولة لنزع الهوية الفلسطينية، وفرض عملية “التهويد”، بهدف محو أي مساعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

 

– سياسة العقاب الجماعي.

 

في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، شهدت مدن الضفة، حالة من التصعيد الأمني غير مسبوقة، انعكست على الحالة الاقتصادية، التي تواجه صعوبات شديدة، ويؤكد ذلك الأرقام الصادرة عن المؤسسات الأممية، التي كشفت في أحدث تقارير لها، أن الاقتصاد في الضفة على شفا الانهيار، نتيجة المداهمات العسكرية الإسرائيلية،  وهجمات المستوطنين، التي تسببت في إغالق أبواب أكثر من نصف المحال التجارية ومنشآت العمال، خلال الربع الأول من العام الجاري 2025، إلى جانب تراجع حاد في الإيرادات، والوظائف، والإنتاج، إلى جانب القيود المصرفية التي فرضتها إسرائيل، بهدف تضييق الخناق على الفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى أزمة سيولة نقدية تعيق قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية.

 

الحرب التي دارت خلال الفترة الأخيرة بين إسرائيل وإيران، صعدت من حجم التوترات في المنطقة، وأخذت زخمًا إعلاميًا وسياسيًا، أدى إلى تحول وجهة الاهتمام العربي والعالمي من غزة والضفة، لمتابعة مستجدات الحرب بين طهران وتل أبيب، وهو ما استغله جيش الاحتلال، للتوسع في العدوان على مدن وقرى الضفة الغربية.

ويؤكد هجوم جيش الاحتلال على مخيمات اللاجئين في الضفة، أن إسرائيل تطبق سياسة العقاب الجماعي. خطورة الممارسات الإسرائيلية تمكن أيضا في أعمال هدم منازل الفلسطيين، التي تم بناء معظمها دون تراخيص، بسبب القيود الصارمة، التي فرضها الاحتلال، والأكثر من ذلك، إجبار الفلسطينيين أنفسهم على هدم منازلهم، إلى جانب تجريف الأراضي الزراعية.

 

– أرقام تكشف تدهور الاقتصاد

ولم يسلم الفلسطينيون من جرائم الاحتلال فقط، بل يتعرضون لأعمال عنف ممنهجة من جانب المستوطنين، بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي. ورغم العديد من الزيارات التي قامت بها وفود دبلوماسية للضفة الغربية، ومشاهدة أثار العدوان الإسرائيلي على أرض الواقع، قوبل ذلك بحالة من الصمت التام من جانب المجتمع الدولي. ممارسات جيش الاحتلال، تأتي تحت ذريعة اختباء عناصر المقاومة المسلحة، داخل منازل المدنيين. وبين الحين والآخر، ينفذ عناصر المقاومة المسلحة، عمليات نوعية ضد جيش الاحتلال، وهو ما ولّد حالة من الشعور بالقلق البالغ من جانب السكان، بسبب قيام جيش الاحتلال بعمليات انتقامية عشوائية تستهدف كافة مناحي الحياة في مدن الضفة.

 

التصعيد الإسرائيلي، شمل تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني، من مخيمات “جنين وطولكرم ونور شمس”، وتأثرت حركة التجارة المحلية، ما تسبب في تقلص الإيرادات، وخفض فرص العمل، وأضعف القدرة الإنتاجية، وبمتابعة الأرقام الصادرة عن وزارة الالقتصاد الوطني الفلسطيني، بعد إجراء مسحًا للمنشآت الاقتصادية شمل 523 منشأة موزعة كالتالي: 203 في نابلس، 148 في جنين، 146 في طولكرم، و26 في مدينة طوباس، كشف عن حالة من التدهور السريع في الأوضاع الاقتصادية في مدن الضفة.

 

وتراجع عدد ساعات العمل اليومية بنحو 13.8% في المتوسط، وكانت طولكرم الأكثر تأثرًا بنسبة 30.2%، وأفادت 92% من المنشآت المستطلعة بتكبدها

خسائر في الإيرادات، بمعدل تراجع بلغ %58 في المتوسط. وكانت جنين وطولكرم الأكثر تضررًا 96.6% لكل منهما مقابل 86.2% في نابلس و84.6% في طوباس.

 

–  انهيار سوق العمل
 

الأرقام المذكورة، تعكس حجم الأزمة الحقيقية التي تواجهها الضفة الغربية، وبالتأكيد أن سوق العمل تكبد خسائر فادحة، بسبب العدوان الإسرائيلي، ومن المؤكد أن نشاط جماعات المقاومة المسلحة، كان لها دور رئيسي، في توحش جيش الاحتلال، الذي استغل الهجمات الرمزية التي تقوم بها الفصائل المسلحة، في تبرير التوسع في حملات الاعتقال، واستهداف المدنيين، بحجة اختباء المسلحين في منازلهم.

 

أيضا، فرض جيش الاحتلال قيود مشددة على كافة الأنشطة التجارية وغيرها، مما أدى إلى تدهور سوق العمل، وبالتالي انعكس بالسلب على الحالة المعيشة للفلسطنيين، الذين يواجهون مرحلة غير مسبوقة، من الأوضاع المتردية، بفضل ممارسات الجماعات المسلحة، التي جعلت جيش الاحتلال، يمنع إدخال البضائع للأسواق، فضلا عن تقييد حركة الأشخاص والتجار، الأمر الذي أدى إلى تدهور الاقتصاد المحلي.