الانهيار السياسي في إسرائيل: هل تعيش دولة بلا وجهة؟

أمد/ تمر إسرائيل بواحدة من أعقد لحظاتها السياسية في تاريخها الحديث. فبينما تتصاعد التهديدات الأمنية وتتعمق عزلتها الإقليمية والدولية، تتكشف ملامح أزمة سياسية حادة في الداخل، لا تتعلق فقط بتبادل السلطة أو خلافات حزبية، بل بانقسام بنيوي في الرؤية، وتآكل واضح في الثقة بالمؤسسات، وغياب قيادة جامعة قادرة على توجيه البلاد في وجه التحديات المتعددة.
◐ الانقسامات الحزبية العميقة:
شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة حالة من التشرذم الحزبي غير المسبوق. لم تعد الأحزاب الكبيرة تملك الأغلبية الحاسمة، وأصبحت الحكومات تُشكَّل بالكاد، وغالبًا ما تنهار قبل استكمال ولايتها. الخلافات لم تعد فقط بين اليمين واليسار، بل امتدت داخل معسكر اليمين نفسه، بين أكثرية متطرفة وأقلية براغماتية.
الأزمة الأخيرة لحكومة نتنياهو التي تواجه ضغوطًا غير مسبوقة داخليًا وخارجيًا، تكشف عن فشل منهجي في إدارة الدولة، وفقدان بوصلة القيادة في مواجهة ملفات الأمن، الاقتصاد، والعلاقات الدولية.
◐ تصدع الثقة بالمؤسسات:
احتجاجات الشارع الإسرائيلي، خاصة في الأشهر الماضية، لم تكن مجرد تعبير عن رفض سياسات معينة، بل انعكاس لاحتقان اجتماعي وسياسي عميق. الخلاف حول التعديلات القضائية، على سبيل المثال، فجّر شرخًا خطيرًا بين الحكومة والجهاز القضائي، بل وبين فئات الجيش نفسها، إذ أبدى ضباط ومجندون رفضهم للسياسات الحكومية.
هذا التصدع في مؤسسات الدولة، خصوصًا الأمنية والعسكرية، مؤشر خطير على أن إسرائيل لم تعد محصنة من الداخل كما كانت في السابق.
◐عزلة دولية وضغوط غير مسبوقة: العدوان الأخير على غزة، ثم المواجهة المفتوحة مع إيران، كشفت ضعف الخطاب الإسرائيلي أمام العالم. باتت الدول الغربية التي طالما دعمتها تعبر عن “قلقها”، وتلوّح بتغيير نبرة الدعم. إسرائيل اليوم لا تواجه فقط مقاومة إقليمية، بل تقف أمام مرآة تعكس صورتها كمعتدية وليست ضحية كما اعتادت أن تروج.
تصاعد الانتقادات في الأمم المتحدة، وتنامي الوعي الشعبي في أوروبا وأمريكا بشأن الجرائم الإسرائيلية، كل ذلك يُضعف من حصانة إسرائيل السياسية، ويفاقم من الضغط على القيادة التي باتت غير قادرة على تبرير تصرفاتها، لا أمام المجتمع الدولي، ولا حتى أمام الداخل الإسرائيلي.
◐ المجتمع الإسرائيلي نفسه… إلى أين؟ يتراجع الإجماع القومي في إسرائيل، ويزداد انقسام المجتمع بين متدينين وعلمانيين، بين يهود شرقيين وغربيين، بين قوميين متطرفين ومعتدلين. هذا التفكك المجتمعي يجعل من الصعب إنتاج مشروع سياسي جامع، ويخلق بيئة متوترة مرشحة للانفجار من الداخل.
الخوف من الحرب، والتراجع الاقتصادي، والضغط النفسي الناتج عن حالة عدم الاستقرار… كلها عوامل تؤجج غضب الشارع، وتجعل احتمالات اندلاع أزمة داخلية حادة أمرًا واردًا في أي لحظة.
◐ ختاما : ما يحدث اليوم داخل إسرائيل ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل انهيار تدريجي في منظومة متكاملة من القيادة، والثقة، والرؤية المستقبلية. دولة قامت على مفهوم “الوحدة والردع”، أصبحت اليوم منقسمة على ذاتها، مهزوزة أمام خصومها، ومعزولة عن حلفائها.