سكارى بلا كحول… غزة ترقص على حافة الهاوية!

أمد/ غزة لا تشرب النبيذ، لكنها تترنح…
لا تسهر على أنغام الطرب، لكنها تسهر على أنين الجوع ونباح القصف وألم الانتظار.
في غزة، الناس سكارى… لا من خمر، بل من همٍّ ثقيل يتدلّى فوق الأرواح كالمشانق.
سكارى من الجوع، من العطش، من ضياع المستقبل، من أصوات أطفالٍ يبكون جوعًا، ومن أمهاتٍ يحتضنَّ الهواء بدل الطعام.
هل رأيتم شعبًا يترنح من الجوع ويبتسم؟
هل شاهدتم أمًّا تقسم الرغيف اليابس على خمسة أطفال وتقول “كله تمام”؟
هل مرّ على العالم مشهد أشد فجيعة من أبٍ يُطعم أبناءه حشائش الأرض ويقنعهم أن هذه نعمة ربنا؟
غزة اليوم تُدفَع نحو الجنون ببطء.
من لم يمت بالقصف، مات بالجوع.
ومن نجا من الجوع، قتلته الحيرة، من أين يأتي بالحليب؟ بالماء؟ بكيلو رز؟
غزة ساحة اختبار لضمير هذا الكوكب.
الغني فيها يبيع ما تبقى من أثاثه ليشتري كيس دقيق،
والفقير يدفن ماء وجهه على أعتاب الجمعيات، علّ أحدهم يضع في يده كيسًا بلا وزن ولا قيمة، لكنه يعني الحياة.
الناس فعلاً… سكارى،
يتمايلون في الطرقات، لا من سُكرٍ، بل من هول المأساة.
لم تعد الخطوات واثقة، ولم تعد الوجوه مألوفة.
الغصة أكبر من الكلمات، والخذلان أعمق من البحر.
العالم يغمض عينيه عن هذه الحقيقة،
المتحدثون يثرثرون عن معونات تُرسل، لكنها لا تصل،
وعن هدنة تلوح، لكنها لا تُبصر،
بينما غزة تنهار قطعة قطعة… طفلًا طفلًا… وجعًا وجعًا.
يا سادة…
غزة ليست سكرى… غزة واعية بكل خلية فيها، لكنها مُتعبة.
أرهقها الحصار، وأثقلها الموت، ونحرها الجوع.
لكنها، وكعادتها، لن تستسلم.
وإن تمايلت اليوم، فلن تسقط غدًا.
وإن أكلت القليل، ستبني من فتات الصبر جبالًا من الكرامة.
غزة لا تموت… لكنها تجوّع بشراسة.
وغزة لا تسكر… لكنها تنهار بصمت.