عودة مشروع كيسنجر بتجديد: السلطان كأداة للهيمنة الأمريكية

عودة مشروع كيسنجر بتجديد: السلطان كأداة للهيمنة الأمريكية

أمد/ منذ سبعينيات القرن الماضي، اتخذت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مسارًا طويلًا ومعقدًا، اتسم بإعادة إنتاج البنى الدينية والمذهبية والقبلية كوسائل بديلة لتعويض هزائمها الجيوسياسية، وعلى رأسها الهزيمة المدوية في فيتنام. في هذا السياق، تعود التوصيات التي نُسبت إلى هنري كسينجر عام 1975 لتُقرأ بعمق في ضوء التحولات المتتالية التي شهدها الإقليم.
من الشاه إلى الخميني: هندسة الثورات
وجدت تلك التوصيات صدى واسعًا في الأوساط السياسية الأمريكية، حيث جرى التخطيط لمسارين متوازيين. الأول تمثل في خلع حليف واشنطن وتل أبيب؛ شاه إيران، وتسهيل عودة آية الله الخميني إلى طهران بمساعدة فرنسية، تحت لافتة “الثورة الإسلامية”، عام 1979. هذا التحول لم يكن بريئًا أو عفويًا، بل جاء كمدخل لتوظيف الإسلام السياسي الشيعي في سياق صراعات تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة.
صدام حسين: الشريك الذي أُنجزت به المهام
المسار الثاني تمثّل في تمكين صدام حسين من حكم العراق، بشرط تنفيذ خمس مهام مفصلية:
إلغاء مشروع الوحدة مع سوريا،
الدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران،
ضرب بؤر المقاومة الفلسطينية،
الانفتاح الاقتصادي والسياسي على الأردن،
تفكيك الجبهة الوطنية التقدمية العراقية التي تأسست عام 1974 كتحالف يساري قومي.
وقد أنجز صدام تلك الشروط دفعة واحدة، ليقود العراق لاحقًا إلى حرب طاحنة مع إيران، عُرفت بـ”قادسية صدام” عام 1980، وهي الحرب التي استُخدم فيها الإسلام السياسي الشيعي والسني كوقود بشري وإعلامي.
تدوير الفوضى: من صدام إلى طهران
مع دخول القرن الحادي والعشرين، اكتمل دور صدام حسين فتمت إزاحته، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستثمار في الفوضى الطائفية، هذه المرة بقيادة طهران ووكلائها. واليوم، ومع دخول المشروع الإيراني في نفق التراجع نتيجة الضغوط والعقوبات والتغيرات الإقليمية، بدأت واشنطن فعليًا في إدارة “المرحلة التالية”.
الوجه السني للمشروع الأمريكي الجديد
تشير المؤشرات الحالية إلى أن الإدارة الأمريكية تتحرك لإعادة توظيف الإسلام السياسي مجددًا، لكن هذه المرة عبر النسخة “السنية”، بقيادة تركيا التي تسعى لإحياء النموذج العثماني تحت عباءة أردوغان. ويدير هذا التحول الجديد ما يُسمى بـ”المندوب السامي الأمريكي”، السفير توماس باراك، الذي يتحرك بنشاط في الإقليم ويُشاع أنه يعمل مع شخصيات سياسية مثل أحمد الشرع لترتيب المشهد القادم.
ويبدو أن المشروع الجديد سيشهد تحالفًا بين أنقرة وتل أبيب، إلى جانب أنظمة خليجية وبعض النخب الطفيلية في المنطقة، لتشكيل منظومة إقليمية جديدة تحاصر النفوذ الصيني والروسي، وتكرّس الهيمنة الأمريكية على موارد الشرق الأوسط ومساراته السياسية.
شرق أوسط بلا استقرار.. لكن تحت السيطرة
بعد ما يزيد عن أربعة عقود من استنزاف المنطقة في حروب وصراعات وهويات قاتلة، يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية لم تتغير: فبدلًا من تحقيق الاستقرار، يتم تدوير أدوات الصراع وتبديل واجهات الإسلام السياسي بما يخدم خريطة الهيمنة العالمية. والشرق الأوسط، كما هو دائمًا، ميدان مفتوح للتجريب والاحتراق، لا لشيء سوى أنه يحتفظ بما لا يمكن لواشنطن التفريط فيه: الموقع والثروة والتأثير.