الشعبوية الزائفة وواقع الخسارة: دراسة الحالة الفلسطينية كعينة…!

أمد/ في مفارقةٍ مؤلمة، يبدو أن الكذب السياسي والنفاق المغلف بالشعارات الدينية الجوفاء باتا وصفة ناجحة لتصنيع “زعماء”، بينما يجرّ الصدق السياسي على صاحبه تراجعًا في الشعبية وخسارة للجماهير. لا تبرز هذه المفارقة بوضوح كما تبرز في الحالة الفلسطينية، حيث أصبح استثمار الخطاب الديني وتزوير الوعي وسيلة للهيمنة، لا للتحرير أو البناء الوطني.
منذ انقلاب حركة “حماس” على الشرعية عام 2007، رفعت الحركة شعارات “المقاومة”، و”التمسك بالثوابت”، والإصلاح والتغيير، و”تحرير فلسطين من البحر إلى النهر”، لكنها عمليًا انغمست في سلطة أمر واقع فاسدة حتى النخاع، تخضع لتفاهمات أمنية واقتصادية مع الاحتلال، عبر وسطاء إقليميين ودوليين.
ومع ذلك، ظلت تتلقى دعماً جماهيريًا، لا بسبب إنجازٍ فعلي على الأرض، بل بسبب توظيف الخطاب العاطفي والديني الكاذب، وشيطنة كل من يخالفها بوصفه “متخاذلًا” أو “متنازلًا”.
في المقابل، نجد أن القيادة الفلسطينية الرسمية، ورغم تمسكها بخطاب سياسي عقلاني وواقعي، ومواقف واضحة من الاحتلال والاستيطان والانقسام، إلا أنها عانت من تراجع في شعبيتها، لا لأنها خانت، بل لأنها رفضت المزايدة، وواجهت الجماهير بالحقيقة: أن التحرير لا يتحقق بالشعارات والعاطفة، وأن الانقسام الفلسطيني يُعدّ أكبر هدية مجانية للاحتلال.
لقد تحوّل الكذب إلى رأسمال سياسي في ظل غياب المساءلة، وتواطؤ بعض الإعلاميين والمثقفين في ترويج الخطاب المضلل، فيما أصبح الصدق تهمة في زمنٍ تنقلب فيه المعايير، وتُكافأ فيه الخيانة بالشعبية، ويُعاقب الصدق بالخذلان.
إن ما تحتاجه القضية الفلسطينية اليوم ليس مزيدًا من الزعماء المصنوعين على موائد الوهم، بل قادة يصارحون شعوبهم ويقودونهم نحو وحدة وطنية حقيقية، تُعيد تعريف المشروع الوطني خارج الاستقطاب والمزايدة الدينية والسياسية.
فلا تحرير مع الانقسام، ولا مقاومة مع الكذب، ولا كرامة مع خداع الجماهير.