السقا: إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 20 مليار دولار والتعافي الكلي سيستغرق عشر سنوات

السقا: إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 20 مليار دولار والتعافي الكلي سيستغرق عشر سنوات

أمد/ رام الله: صرّح خبير الاقتصاد والعلاقات الدولية لؤي السقا، أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب المدمّرة الأخيرة، ستتطلب تمويلاً يتجاوز 20 مليار دولار أميركي، مشيرًا إلى أن استعادة القطاع لحالته الطبيعية قبل الحرب، اقتصاديًا وإنسانيًا، قد يستغرق ما لا يقل عن عشر سنوات، وذلك في حال توفرت بيئة سياسية مستقرة، وتمويل دولي مستدام، وإدارة مهنية شفافة للعملية.
وأوضح د. السقا أن حجم الدمار في غزة خلال الحرب الأخيرة فاق كل التقديرات السابقة، حيث استُهدفت البنى التحتية بشكل مباشر، وتعرضت الأحياء السكنية لتدمير واسع، فيما شُلت حركة المرافق الحيوية بشكل شبه كامل.
مشيرًا إلى أن آلاف الوحدات السكنية قد دمرت كليًا، وأن الأضرار طالت أحياء بأكملها، إلى جانب مراكز صحية ومدارس وجامعات ومساجد وكنائس، ما أدى إلى تهجير جماعي غير مسبوق، وارتفاع عدد النازحين داخليًا إلى أكثر من مليون ونصف إنسان يعيشون في ظروف إنسانية صعبة في المدارس ومراكز الإيواء، بل وحتى في العراء.
وأكد السقا أن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد مسألة فنية تتعلق بالبناء، بل هي عملية مركبة تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وقال إن أي خطة ناجحة للإعمار لا بد أن تشمل إعادة تأهيل الاقتصاد المحلي الذي انهار بفعل الحصار المستمر منذ سنوات، وتوقّف النشاط الإنتاجي والخدمي نتيجة الحرب، وتعطل معظم المصانع والمنشآت التجارية، بالإضافة إلى دمار البنية التحتية الزراعية، وفقدان عشرات آلاف العمال لمصادر رزقهم.
وأضاف أن الأثر الاجتماعي للدمار هو الأكثر فتكًا، حيث باتت عائلات بأكملها بدون مأوى، وأطفال بدون مدارس، ومراكز صحية عاجزة عن تقديم الرعاية الأساسية في ظل الانهيار شبه الكامل للنظام الصحي، ونقص حاد في الأدوية، وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة.
وشدد السقا على أن الأولوية يجب أن تُعطى الآن للإغاثة الإنسانية العاجلة، وتوفير الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الطبية للنازحين، باعتبار أن هذه هي القاعدة التي يُبنى عليها أي مسار لاحق للإعمار.
وأشار السقا إلى أن المجتمع الدولي يواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا في غزة، فإعادة الإعمار دون معالجة سياسية حقيقية ستبقى إجراءً مؤقتًا وسطحياً، سرعان ما ينهار في حال تجددت المواجهات.
وأضاف السقا أن الدول المانحة باتت أكثر حذرًا في التزاماتها، وأن الثقة الدولية بإدارة ملف الإعمار تتطلب وجود آلية فلسطينية موحدة تُشرف على العملية بقيادة الحكومة الفلسطينية، وبشراكة مع المؤسسات الدولية، ضمن إطار شفاف وخاضع للمساءلة.
ودعا السقا إلى ضرورة التحضير لعقد مؤتمر دولي شامل لإعادة إعمار غزة، تُشارك فيه الحكومة الفلسطينية بصفة رسمية، إلى جانب الدول المانحة وممثلي الأمم المتحدة والبنك الدولي وصناديق التنمية.
وأوضح السقا أن هذا المؤتمر يجب ألا يكون فقط مناسبة لجمع التعهدات المالية، بل مناسبة لوضع خارطة طريق اقتصادية وتنموية وسياسية واضحة، تمتد لعشر سنوات، وتقوم على ثلاث ركائز أساسية: الإغاثة الفورية، والبناء المستدام، ومعالجة جذور الأزمة السياسية، بما يضمن عدم تكرار سيناريوهات الدمار السابقة.
وأشار السقا إلى أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في جمع التمويل، بل في ضمان استقراره واستمراريته، وربطه بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض، من حيث إعادة الخدمات الأساسية، وتفعيل الاقتصاد، وتحسين نوعية حياة السكان.
كما أشار إلى أن هناك حاجة ماسة لإعادة تأهيل الكوادر المحلية والمؤسسات الفلسطينية في غزة، لتكون قادرة على إدارة المشاريع الكبرى بكفاءة ونزاهة.
وختم السقا حديثه بالتأكيد على أن إعمار غزة يجب أن يكون مدخلًا لإعادة توحيد الصف الوطني الفلسطيني، واستعادة الثقة بين الشعب ومؤسساته، وبناء نموذج اقتصادي متماسك يخرج القطاع من دوامة المساعدات إلى أفق الاستقلال والتنمية.
وقال السقا إن غزة لا تحتاج فقط إلى إعادة إعمار، بل إلى إعادة أمل، وتثبيت الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعبها، في إطار مشروع وطني متكامل يُنهي حقبة الحروب والانقسام، ويؤسس لمستقبل آمن ومستقر.
واشار السقا “ما لم يتم التعامل مع غزة كجزء لا يتجزأ من المشروع الوطني الفلسطيني، فإن كل جهود الإعمار ستظل جزئية ومؤقتة وقابلة للانهيار، وستبقى المعاناة مستمرة.”