خريطة الفضيحة: من “الدوحة” إلى الشاشة!

خريطة الفضيحة: من “الدوحة” إلى الشاشة!

أمد/ ها هي خريطة تموضع قوات الاحتلال تُعرض على شاشة “الجزيرة” لا كاجتهاد صحفي ولا كسبق معلوماتي، بل كتمهيد نفساني وتمرين على القبول.. خريطة لا تضع خطوطًا على الرمل فحسب، بل ترسم حدود الانهزام داخل العقول.

 

من أين جاءت بها الجزيرة؟

 

من نفس الجهة التي جاءت منها “وثيقة غزة أولًا”، و”حكومة التكنوقراط”، و”الهدنة الطويلة”، و”صفقة الأسرى الكبرى” التي تحولت إلى صفقة شاحنات. !

 

 جاءت من هناك، حيث يجتمع القوم ليتدارسوا شروط وقف النار وكأنهم يفاوضون على مجد، لا على موطئ قدم بين الأنقاض!

 

هي ليست تسريبًا بقدر ما هي “بالون اختبار” أُطلق من حما..س، لا لتحفيز الرفض، بل لجس نبض شارع متعب، مقهور، يريد فقط أن يتوقف القصف ليبحث عن رغيف أو ليلتحق بجنازة دون أن يموت في الطريق.

 

وحين جاءت الردود كما أُريد لها أن تأتي، بالقبول الصامت أو التأييد المرهَق، قيل: “الناس يريدونها”!

 

نعم، الناس يريدون أن يعيشوا، لكن لا أحد قال إنهم يرضون أن يُسلّموا ما تبقّى من وطنهم على ورقة منفوخة على شاشة قناة!

 

كيف تحوّلت “المقا..، ومة” من كاسر للخطوط إلى مرسّم لها؟

من رافض لأي وجود احتلالي، إلى منسق لتمركزه؟

من قوة “لا تهدأ حتى التحرير”، إلى جهة تفاوض على هدنة تُبقي العدو جاثمًا على 40% من القطاع ثم تسوّق ذلك على أنه “أهون الشرّين”!

 

ما هذا المنطق؟ أهو من فقه الاستضعاف أم من فقه الاستغباء؟

أي علم في السياسة يُبيح أن تظل جيوش الاحتلال متمركزة في عمق القطاع، ومع ذلك يُطلب منا أن نصفّق لأن “المعركة صعبة والتفاوض معقّد”؟

 

إنها خريطة العار.. رسمتها البزات العسكرية، وصادقت عليها اللحى السياسية، ثم بُثت على شكل خبر عاجل.

لكي يقنعنا أحدهم لاحقًا بأننا لم نخسر، بل “أعدنا التموضع”!

 

يا سادة، هذه ليست تسوية، بل استسلام بالتقسيط.

 

قولوا لنا فقط: متى نبدأ بتعليم أولادنا أن “رفح” باتت منطقة عازلة؟

ومتى نُبدّل خرائط الوطن في كتب الجغرافيا؟

ومتى نكتفي من رفع شعار “التحرير”، ونبدأ بتسويقه كحلم مؤجل إلى ما بعد التموضع؟

 

استدراك مهم :

 

لعلّ الأعجب من كل ذلك، أن هذه الخريطة التي قُدمت لنا اليوم على أنها “المقترح”، ليست إلا سقفًا زائفًا للمطالب، وواجهة قابلة للتنازل المحسوب.

 

فربما – وهذا وارد جدًا – يتعنت المفاوض قليلًا، ويتدلّل كثيرًا، ثم يعود بعد جولات وجولات ليقول لنا بفخر: لقد رفضنا خريطة العار تلك!

 

لقد انتزعنا تعديلًا بسيطًا، خطًا هنا أو نقطة هناك، وها نحن نمنّ عليكم بخريطة عار أقل قليلًا!

 

وسيُقال حينها في الإعلام والبيانات: “إنجاز وطني”، “معركة تفاوضية شرسة”، “انتزعنا ما لم يُنتزع”، وربما يُهدى الانتصار إلى أرواح الشهد.. اء أيضًا، لتكتمل مسرحية التزييف.

 

وكأن المسألة ليست احتلالًا جاثمًا في قلب غزة، بل لعبة تفاوض على نسب الاحتقار…

40% كانت كثيرة، فلتكن 35%، ثم نغني لها: يا وطنًا على قدِّ الحنين!

 

إنه الابتزاز بالموت: إما أن تموت بلا قيد، أو تعيش بقيدٍ وتسجد شكرًا لأنك ما زلت تتنفس.

 

لكنهم لا يخبرونك أن ما فُرض بالقوة لا يُسمى خيارًا، وأن ما بقي من الوطن ليس نصيبًا بل مجرد بقايا ا