استغلال الوضع الاقتصادي في غزة: من يستفيد من آلام السكان؟

أمد/ في خضم حرب إبادة مدمّرة تعصف بقطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، يعيش الغزيون كارثة إنسانية غير مسبوقة، لم تعد فيها نيران الحرب وحدها هي الجحيم، بل باتت أيادٍ داخلية تقتات على الرماد، وتغرس أنيابها في جيوب الناس المنهكة.
الأزمة المعيشية تتصاعد بشكل جنوني، والضائقة الاقتصادية تضرب بعنف كل بيت، وكل شارع، وكل أسرة. ورغم إدراك الجميع لحجم الدمار الذي خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية، إلا أن الواقع يكشف عن وجوه أخرى للاستغلال، تتغذّى على أنقاض المعاناة.
ففي تقرير اقتصادي حديث، سُجلت نسبة سحب الأموال من التطبيقات أو المحافظ البنكية عبر محال الصرافة وتجار الشنطة في غزة بـ44% خلال الأسابيع الماضية، وهو رقم مخيف يعبّر عن محاولة الناس النجاة بما يمكن من فتات. لكن التساؤل الذي يفرض نفسه: أين تذهب هذه الأموال؟ ولماذا تتزامن هذه النسبة المرتفعة مع صعود هستيري في أسعار السلع الأساسية؟
الإجابة لا تحتاج إلى كثير من التخمين. مراقبون اقتصاديون يحمّلون الجهات الحاكمة في غزة، وعلى رأسها حركة حماس، المسؤولية المباشرة عن انفلات السوق، ويشيرون إلى وجود سياسة ممنهجة تسمح أو تغضّ الطرف عن رفع أسعار السلع وزيادة العمولة على سحب الأموال نقداً، بما يضمن تدفّقًا ماليًا يسهم – وإن بشكل غير مباشر – في تمويل الرواتب والنفقات الإدارية.
ما يعزز هذا الاتهام جملة من المؤشرات الخطيرة:
🔸 غياب إجراءات فعلية لضبط الأسعار رغم شكاوى المواطنين المتكررة.
🔸 تراخٍ في الرقابة على أسواق الصرافة وتركها عرضة للمضاربة ورفع العمولات.
🔸 سيطرة مافيات تجارية مرتبطة بمراكز قوى داخلية تحتكر السلع وتحدّد الأسعار كما تشاء.
وفي خضم هذا المشهد القاتم، لا يمكن إعفاء سلطة النقد الفلسطينية في رام الله من المسؤولية، فهي الجهة المخوّلة قانونيًا برقابة البنوك وشركات الصرافة. لكن صمتها المريب، وتغاضيها عن الفوضى المالية الجارية في غزة، يضعها في دائرة الشبهة – إما كطرف عاجز، أو كشريك صامت في عملية استنزاف ممنهج لآخر ما تبقّى في جيوب الناس.
الأسواق تصرخ، والعائلات تتآكل، والقدرة الشرائية تنهار. أما الجهات المسؤولة، فتحوّلت إلى أدوات لفرض الأمر الواقع، أو أدوات لتحصيل الأرباح، أو ربما أدوات لتصفية حسابات على حساب حياة الناس.
اليوم، لم يعد هناك متّسع للمراوغة. المطلوب إجراءات طارئة وجريئة لوقف هذا النزيف المالي والمعيشي:
🔹 فرض رقابة شفافة ومستقلة على سوق الصرافة وأسعار السلع.
🔹 كبح جماح العمولة المالية التي تنهش قيمة التحويلات والمساعدات.
🔹 ضمان توزيع المساعدات النقدية والغذائية دون اقتطاعات جائرة.
🔹 مساءلة الجهات كافة، من رام الله إلى غزة، عن تقصيرها أو تواطؤها.
ما يحتاجه المواطن اليوم ليس وعظًا ولا شعارات، بل عدالة اقتصادية تحميه من الجوع وتعيد له كرامته، في وطن يكاد يتحوّل إلى سوق مفتوح للنهب، ومعرض دائم للخذلان.
كل من يربح من معاناة الناس، هو جزء من الجريمة.