غيتو رفح: إعادة تصوير نازية بواجهة إنسانية… وجريمة شاملة للتجهيل والتهجير

أمد/ في قلب الجنوب الفلسطيني، فوق ركام مدينة رفح المنكوبة، حيث الركام صار هوية، وحيث الدم يُسكب كل يوم على أعتاب الحياة، تنسج منظومة الاحتلال الإسرائيلي، برعاية وتواطؤ دولي فج، مشهداً جديداً من الجريمة المنظمة: ما تُسمّى بـ”المدينة الإنسانية” – أو بتوصيفها الحقيقي: غيتو عازل للسكان الأصليين على الطريقة النازية.
هي ليست منطقة إغاثية كما يُروّج، ولا ملاذاً آمناً كما يُخدَع العالم، بل هي مشروع تظهير عنصري ممنهج، يقوده الاحتلال لتجميع ما تبقّى من أهالي غزة في مساحة ضيقة ومراقبة، خالية من كل مقومات الكرامة والحرية، ومقطوعة الجذور عن الوطن. هو امتداد مباشر لعقلية الجيتوهات التي عرفها التاريخ الأوروبي، من أحياء اليهود في أوروبا الشرقية إلى معسكرات الاعتقال النازية، والتي يتم الآن استنساخها للفلسطينيين في القرن الحادي والعشرين!
مشروع الإبادة الناعمة تحت غطاء “الإنسانية”
ما يجري في جنوب رفح ليس مجرد هندسة ديمغرافية، بل جريمة متكاملة الأركان تهدف إلى فرض التهجير القسري تحت ضغط القتل والتجويع، ثم تثبيت الواقع الجديد في غيتو مسوّر بالحديد والنار. تمهيداً لإفراغ غزة من سكانها، وتكريس الكارثة كأمر واقع، بينما تقف الأمم المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية والدولية موقف المتواطئ أو العاجز.
خديعة “المنطقة الأمنية العازلة”
المنطقة العازلة المنوي إقامتها بمحافظة رفح، بحجة الأمن، ليست سوى خدعة استخباراتية إسرائيلية أمريكية مكشوفة، تهدف لفصل غزة عن عمقها العربي والمصري، وتحويل جنوب القطاع إلى سجن كبير، يُدار بالكاميرات والطائرات، وينعدم فيه أي أفق للحياة الطبيعية. بل إن هذه المنطقة تشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، وتنسف عملياً كل الجهود السياسية لوقف الحرب، وتغلق الباب أمام أي مسار حقيقي لإعادة إعمار غزة أو ضمان استقرارها.
تكرار مشاريع فاشلة: روابط القرى و”البدائل”
يحاول الاحتلال الآن إحياء مشاريع قديمة من رماد الفشل: كيانات بديلة، روابط قروية، أطر إنسانية موازية لمنظمة التحرير، كلها صيغ مهترئة لتمرير مشاريع التصفية السياسية. لكنها، كما فشلت سابقاً، ستسقط مجدداً أمام صمود الشعب الفلسطيني الذي، رغم المقصلة المفتوحة منذ 21 شهراً، ما زال متمسكاً بثوابته، مدججاً بإرادة وطنية عصية على الكسر.
غزة ليست للبيع… والكرامة ليست ملفاً إنسانياً
ما يسمى بـ”المدينة الإنسانية” ليس سوى وجه آخر للنكبة، بصيغة محدثة وبأدوات أكثر خُبثاً. إنها ليست مبادرة رحمة، بل مخطط تهجير وتجهيل وتجميع، يراد منه القضاء على حلم العودة وتفريغ الأرض من أصحابها. لكن غزة – كما عهدناها – لا تُختزل في خيمة إغاثة، ولا تُكسر في خندق عزلة.
الرد الفلسطيني على هذا المشروع يجب أن يكون بمستوى الخطر: رفضٌ شعبي شامل، موقف سياسي واضح، ومقاومة شاملة لكل أدوات الإلغاء والتهميش. فلا غيتو سيحاصر الروح، ولا “معسكر إنساني” سيخطف الذاكرة