غزة: الدعم الإنساني بين انحيازات قطر والإمارات والدبلوماسية الصامتة

أمد/ منذ سنوات، يتخذ الدوران القطري والإماراتي تجاه قطاع غزة مسارين متوازيين، يبدوان متشابهين ظاهريًا في الشكل الإنساني، لكنهما متباينان في الجوهر السياسي والغايات الاستراتيجية. وبينما تغرق غزة في ويلات الحصار والحروب المتكررة، أصبحت ساحةً لتجاذب إقليمي غير معلن، يظهر فيه المال كوسيلة دعم، بينما يخفي خلفه تباينات عميقة في الرؤية والتموضع.
أولًا: قطر وحماس — دعم مباشر تحت سقف التهدئة
منذ عام 2012، برزت قطر كأكبر داعم مالي مباشر لحركة حماس في غزة، تحت عنوان “دعم القطاع المحاصر”. وقد اعتمدت الدوحة نهجًا يرتكز على تقديم منح نقدية شهرية، تصل إلى ثلاثين مليون دولار، تشمل رواتب موظفي حكومة حماس، ومساعدات للأسر الفقيرة، وتمويلًا لمشاريع تشغيلية مؤقتة.
لكن هذا الدعم لم يكن بريئًا بالكامل. فقد تم بتنسيق مباشر مع إسرائيل، عبر الموساد أو الجهات الأمنية، وارتبط غالبًا بتهدئة الجبهات ومنع التصعيد، مما جعل المال القطري أداة إدارة أزمات وليس حلًا مستدامًا. كما أن ارتباط الدوحة الوثيق بحماس وجماعة الإخوان المسلمين أضعف موقف السلطة الفلسطينية، وأدى إلى تعزيز الانقسام الداخلي الفلسطيني.
ثانيًا: الإمارات — دعم إنساني دون اصطفاف
على النقيض، تبنت الإمارات مقاربة مختلفة في غزة. فرغم توتر علاقاتها مع حماس ورفضها الواضح لحركات الإسلام السياسي، لم تتخلف عن دعم الفلسطينيين، وخصوصًا في الأزمات الكبرى. خلال الحرب الأخيرة على غزة، أطلقت أبوظبي جسرًا جويًا وبحريًا لنقل المساعدات، واستقبلت جرحى لتلقي العلاج في مستشفياتها، وأعلنت عن مشاريع لإعادة الإعمار والبنية التحتية، دون تمييز سياسي أو محاولة توظيف فصائلي.
ما يميز النهج الإماراتي هو أنه قائم على الدبلوماسية الإنسانية الهادئة، بعيدًا عن الإعلام الصاخب أو الابتزاز السياسي. تدعم الإمارات غزة كقضية إنسانية وقومية، وليس كمنصة نفوذ لجماعة أو تيار.
ثالثًا: إسرائيل بين العاصمتين
العلاقة مع إسرائيل تشكل عنصرًا حاسمًا في فهم كلا الدورين. فبينما ترتبط قطر بإسرائيل عبر قنوات أمنية سرية لضمان تمرير الأموال إلى غزة دون اعتراض، أقامت الإمارات علاقة رسمية وشاملة مع إسرائيل في أعقاب اتفاقيات أبراهام عام 2020. هذا الفارق جعل من الدور الإماراتي أكثر اتساقًا، وإن كان محل جدل عربي، في حين جعل الدور القطري أقرب إلى “التطبيع الوظيفي”، حيث تمر الأموال عبر الموافقة الإسرائيلية، لكنها تخدم جماعة لا تعترف بإسرائيل من الأساس.
رابعًا: الاستراتيجية والغايات
الهدف القطري يبدو واضحًا: إبقاء غزة تحت إدارة حماس ضمن توازن هش، يضمن لقطر دور الوسيط الإقليمي الضروري، ويمنحها نفوذًا في الملف الفلسطيني مقابل أدوار عربية أخرى. أما الإمارات، فهي تسعى إلى دعم الشعب الفلسطيني دون تمكين حماس، وتراهن على مشاريع إعادة إعمار شاملة كأداة لبناء نفوذ طويل الأمد بعيدًا عن الاستقطاب.
خاتمة: ما بين رعاية مشروطة ودعم مؤسسي
في النهاية، تُجسد غزة مشهدًا مركبًا للدورين القطري والإماراتي:
قطر تقدم دعمًا نقديًا مشروطًا ومرتبطًا بالسياق الأمني.
الإمارات توفر دعمًا مؤسسيًا إنسانيًا يتجاوز الاصطفاف الفصائلي.
ورغم أن كلا الدورين لا يغنيان عن الدور الوطني الفلسطيني المطلوب، فإن المقارنة بينهما تكشف عن فوارق في الرؤية والأدوات والغايات، تضع الفلسطينيين أمام مسؤولية حقيقية: ألا يكونوا مجرد ساحة نفوذ لأجندات الغير، بل شركاء فاعلين في رسم مستقبلهم.