سمات الخيار الثالث لحل الأزمة الإيرانية

أمد/ في ظل فشل منطق المواجهة والتصعيد من جهة، واستحالة الرضوخ والانهيار من جهة أخرى، تبرز الحاجة إلى “الخيار الثالث”: خيار يقوم على الواقعية السياسية، واستيعاب التحولات الدولية، والعودة إلى الداخل الإيراني بوصفه أولوية الأمن القومي. هذا الخيار يتطلب إعادة تقييم الوظيفة الإقليمية لإيران. وتفكيك النزعة العسكرية في السياسة الخارجية. وإعادة صياغة الملف النووي كمدخل تعاون لا ابتزاز. والاعتراف بحقوق المواطن الإيراني كشريك في صناعة القرار.
إن إيران، بكل ثقلها الحضاري والجيوسياسي، قادرة على إعادة التموضع إقليميًا ودوليًا، لكن ذلك لن يتم عبر تكرار استراتيجيات الأمس، بل بجرأة الخروج من المأزق عبر رؤية جديدة تستند إلى المصالح الوطنية لا العقائد العابرة للحدود.
ما هو الخيار الثالث.. ولماذا الخيار الثالث؟
بين خيارين أحاديي الاتجاه، يبرز الخيار الثالث كمسار بديل يقوم على إصلاحات داخلية شاملة، سياسة خارجية واقعية، وإعادة بناء علاقات متوازنة مع الجوار والعالم. يتضمن هذا الخيار تعزيز الحريات وحقوق الإنسان تدريجيًا لكسر حالة الاستقطاب الداخلي. وإرساء علاقات جيوسياسية تعتمد على المصالح المشتركة مع دول الخليج. وتبني موقف نووي يعكس التزامًا ضمنيًا بقواعد عدم الانتشار النووي مع ضمان حقوق الطاقة السلمية.
الخيار الثالث هو مشروع طرحته السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية كحل جذري يضع حداً لعملية المناورة السياسية وسياسة الاسترضاء القائمة بين نظام الملالي والغرب، ويُنهي معاناة الشعب الإيراني الساعي في نضاله إلى نيل الحرية وبناء وطن ديمقراطي غير نووي يتسع الجميع، ويمثل هذا المسار مسار الخيار الثالث رغم التحديات إطارًا فعليا لتحقيق استقرار داخلي واقليمي وينهي شكلا من أشكال التوتر العالمي.. وينص هذا الخيار على رفض سياسة الاسترضاء والحروب ودعم نضال الشعب الإيراني لكي يُسقط النظام بنفسه دون أي تدخل خارجي..
هل الخيار الثالث حلٌ.. أم مجرد خيار؟
الجواب باختصار:
الخيار الثالث هو بداية الحل النهائي للأزمة.. أي أنه إطار تفكير واستراتيجية انتقال نحو الحل النهائي بمعنى آخر: هو الطريق الممكن الذي يمكن من خلاله تفادي أخطار (المواجهة – والسلاح النووي) ويفتح الباب لحلول أكثر واقعية ومرونة لو أراد الغرب إنهاء فعليا بعيدا من المناورة وما يجري في الدهاليز المظلمة وخلف الكواليس.
تفصيل الفكرة:
الخيار الثالث ليس “مُجرد خيار” نعم هو لا يملك قوة التطبيق من تلقاء نفسه، ويعتمد على إرادة سياسية دولية ومناخ إقليمي مساعد، ومن التحديات أنه يواجه مقاومة من الأطراف المستفيدة من الصراع أو الجمود.. لكن الأهم من ذلك كله هو أنه مطروح من قِبل أكبر وأقدم مظلة إئتلافية وطنية إيرانية وتؤيده أغلبية الشعب الإيراني كما له تأييد إقليمي ودولي.. كذلك هو جزء من “خارطة طريق موحدة” وهي الرؤية الشاملة التي تطرحها المقاومة الإيرانية.. ويتفق عليها جميع الفاعلين في الداخل الإيراني وفي المنطقة، وأصحاب الفكر الحر في العالم.
ما يجعل الخيار الثالث “مُرشحًا ليكون حلاً” هو أنه يُعيد توجيه البوصلة نحو تحرير وتنمية الداخل بدل تصدير النفوذ. وإشعال نار الفتن والحروب، ويسمح بإعادة ضبط العلاقة مع العالم دون خضوع أو تهور، ويُعيد الاعتبار للمواطن الإيراني كفاعل لا كمجرد تابع، ويمكن أن يكون أساسًا لحلولٍ جذرية في ملفات مثل الملف النووي، واستقرار الخليج، والحقوق.. حيث سيكون الأساس لإسقاط نظام ولاية الفقيه الذي بسقوطه تكون كافة تلك القضايا قد شارفت على الحل التلقائي بخطوات بسيطة..
ماذا لو تغاضى الغرب وأمريكا عن الخيار الثالث كحل؟
ينطوي تجاهل الغرب للخيار الثالث على مخاطرة استراتيجية غير آبهة بما قد يحدث وغير مكترثة بذلك لطالما ضمنت مصالحها من قبل أدواتها صانعة الأزمات.. ففي سياق تعقيدات المشهد الإيراني والإقليمي، لا يمكن فصل مصير الخيار الثالث عن مواقف وردود أفعال الغرب لا سيما الولايات المتحدة.. إذ أن نجاح هذا الخيار لا يعتمد فقط على الإرادة السياسية الوطنية الإيرانية.. بل يتطلب أيضًا قبولًا دوليًا يتبعه تفاعل حقيقي على أرض الواقع.
في حال تغاضي الغرب عن الخيار الثالث أو رفضه ضمنيًا أو صراحةً فإن ذلك يفتح الباب على مصراعيه لمخاطر جسيمة:
– تعزيز نفوذ وهيمنة وسطوة النظام القمعي الإيراني داخل إيران وخارجها.. ويزيد من العزلة الداخلية بين النظام والشعب مما يفاقم معانة الشعب.. وخارجيا حيث ستواجه مؤسسات النظام العالمي معضلة في كيفية التعاطي مع النظام بعد هذا الكم من الفضائح.
يُفاقم التوترات الإقليمية ويعمّق الانقسامات في المنطقة مما يحولها إلى مسرح صراعات مستمرة بدلاً من مسارح للتعاون والتنمية.
يخسر الغرب فرصة تاريخية لإعادة دمج إيران كشريك إقليمي مهم الأمر الذي سيزيد من فرص تمدد النفوذ الصيني والروسي داخل إيران، ويُبعدها أكثر عن الانخراط في قضايا دولية فمهمة كـ الملف النووي وحقوق الإنسان.
وأخيرًا.. فإن استمرار حالة الجمود والعقوبات قد يؤدي إلى انهيارات أمنية واقتصادية تؤدي إلى تدفقات لاجئين وأزمات إنسانية تستنزف الجوار والدول الغربية على حد سواء، وبالتالي فإن الخيار الثالث ليس مجرد خيار داخلي لإيران، بل مشروع استراتيجي إقليمي وعالمي يستدعي موقفًا دوليًا مسؤولًا يتجاوز الحسابات الضيقة والسياسات الانتهازية الأحادية الجانب، وبدونه لن يكون هناك مخرج آمن من دوامة الأزمة التي تستنزف طاقات المنطقة والعالم.