إيران وتطورات الوضع والحاجة إلى الخيار البديل

إيران وتطورات الوضع والحاجة إلى الخيار البديل

أمد/   في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها إيران والمنطقة المحيطة جراء سياسات نظام ولاية الفقيه الرجعية؛ تظل الأزمة الإيرانية من أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة للتحديات إقليميا ودوليا.. فبينما تتداخل الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية يتطلب المشهد الحالي إعادة قراءة استراتيجية تتجاوز الخيارين التقليديين “المواجهة المفتوحة – أو الانصياع الكامل”، وفي هذا الإطار يبرز الخيار الثالث كضرورة حتمية تستند إلى إعادة تموضع داخلي وإقليمي عقلاني يوازن بين حماية السيادة وتحقيق الاستقرار والتنمية.

تمر جمهورية الملالي اليوم بمرحلة مفصلية من وجودها المتأرجح.. تتقاطع فيها التحولات الداخلية مع تطورات إقليمية ودولية متسارعة، في ظل تراجع فعالية الخيارات التقليدية التي حكمت سلوكها منذ عام 1979.. ومع استمرار الانكماش الاقتصادي، وضغوط الملف النووي، والتوتر المتزايد مع دول الجوار؛ تبرز الحاجة إلى تبني خيار ثالث، يتجاوز ثنائية التصعيد والمراوغة، نحو مسار استراتيجي يعيد موضعة إيران داخليًا وإقليميًا.

أبعاد الأزمة الإيرانية الراهنة

تواجه إيران اليوم ضغوطًا خارجية متزايدة تتعلق بملفها النووي وحقوق الإنسان بالإضافة إلى توترات متصاعدة في علاقاتها مع دول الخليج.. ففي الملف النووي لا تزال مفاوضات رفع العقوبات معقدة وسط انعدام الثقة المتبادل؛ ما يؤدي إلى استمرار الحصار الاقتصادي الذي يفاقم أزمة المواطنين، ووفقا لسياسة المهادنة والمساومة لا يحد من قدرة نظام الملالي على تحقيق مبتغاه، وعلى الجانب الحقوقي تتفاقم الانتهاكات مما يضع النظام في مواجهة نقد داخلي وخارجي مستمر، ومن جهة أخرى تعكس العلاقة مع دول الخليج حالة من التنافس الإقليمي رغم بعض محاولات التقارب الأخيرة، ولا يخدم هذا التوتر الإقليمي استقرار المنطقة بل يعزز من فرص التصعيد.

أولاً: التحولات الداخلية ومحدودية النموذج السياسي القائم

على المستوى الداخلي تواجه سلطة ملالي إيران أزمة شرعية سياسية متفاقمة حيث عمّقت الاحتجاجات الشعبية المتكررة لا سيما بعد حادثة وفاة مهسا أميني سنة 2022 عمقت الهوة بين النظام وشرائح واسعة من المجتمع الإيراني خصوصاً الشباب والنساء والطبقة الوسطى التي هي على وشك الانقراض.. هذه الفئات لم تعد تطالب فقط بتحسين الظروف الاقتصادية بل بفتح المجال العام، ورفع القيود عن الحريات المدنية والسياسية التي لن تتم إلا بإسقاط النظام وإحلال سلطة البديل الديمقراطي العلماني.

اقتصاديًا، تُعاني البلاد من تضخم متصاعد، بطالة مرتفعة، وركود في القطاعات الحيوية نتيجة تراكم العقوبات، والفساد، واعتماد غير منتج على الموارد النفطية، وفي ظل هذا المشهد فإن استمرار نهج نظام الملالي القمعي والعاجز إدارياً لن ينتهي الأمر إلا بمزيد من العزلة والانفجار الاجتماعي الحتمي على المدى القريب ونهاية النظام الطبيعية.

ثانيًا: البعد الإقليمي – سياسة النفوذ أم كلفة الاستنزاف؟

إقليميًا.. تبنّت إيران الملالي سياسة توسّعية منذ عقودٍ عبر وكلاء محليين في عدة دول عربية كجزء من استراتيجية “العمق الاستراتيجي” خارج الحدود، ورغم ما حققته من نفوذ في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن إلا أن هذه السياسة أصبحت مكلفة سياسيًا واقتصاديًا وأخلاقيًا.. وتُترجم التكلفة الاقتصادية بانهيار البنية التحتية والخدماتية في الداخل مقابل إنفاق كبير على الصراعات، وتتجلّى التكلفة السياسية في توتر دائم مع دول الجوار خصوصًا في الخليج، وتعقيد العلاقات مع الغرب، وتبرز التكلفة الأخلاقية في دعم جماعات متهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتغذية الحروب الأهلية، وهنا وفي ظل هذا السياق لم تعد سياسة “تصدير الثورة” تحقق نتائج استراتيجية بل أصبحت مدخلاً لعزل نظام ولاية الفقيه وتعميق حالة الاستقطاب الإقليمي الطائفي.

ثالثًا: الملف النووي – مأزق التفاوض وحدود الردع

يشكل الملف النووي إحدى أعقد حلقات النزاع بين ملالي إيران والغرب، وهو موضوع تداخلت فيه عوامل الأمن، والسيادة، والاقتصاد على حد قول البعض؛ لكن الحقيقة تكمن في خروج أطراف سياسة المهادنة والاسترضاء والمناورة عن نصوص السيناريوهات المتفق عليها.. بمعنى أن الولي الفقيه وجماعته قد تخطوا الحدود المرسومة وهنا وجب إعادته إلى رشده، ولو كان الأمر غير ذلك لأسقطوه منذ عقدين من الزمن لكنهم أسقطوا أعدائهم الحقيقيين فقط وأبقوا على نظام الملالي كوسيلة ابتزاز في المنطقة، وسيبقى المشروع النووي لملالي إيران غصة في حلق الغرب الذي تغاضى عنه لولا أن كشفته المقامة الإيرانية؛ حيث تخطى المشروع الأبعاد المرسومة له.. ويبقى في نفس الوقت أيضا وسيلة هامة لترويض وتركيع المنطقة.

رابعًا: العلاقة مع دول الخليج – من التوتر إلى شراكة الضرورة

رغم توقيع الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية صينية عام 2023 فإن العلاقة مع دول مجلس التعاون لا تزال رهينة الشكوك وانعدام الثقة.. إلا أن معطيات الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد تفرض منظورًا استراتيجيًا جديدًا للعلاقة بين إيران والخليج.. منظورا يقوم على التعاون في ملفات الأمن البحري والطاقة، وتنسيق اقتصادي مشترك في مجالات الاستثمار والنقل، وكذلك التفاهم حول الأمن الإقليمي دون وكلاء أو أدوات صراع.. فمنطقة الخليج في وضعها الراهن لا تحتمل أن تكون ساحة صراع في حين يمكن أن تتحول إلى منصة تكامل اقتصادي وأمني في حال اختار ملالي إيران لغة الدولة الرصينة بديلا عن لغة الأزمات والفتن.