أمريكا ترتبط بشكل أعمق بإسرائيل…!

أمد/ هدف نتنياهو في واشنطن هو تكريس معادلة اللاحسم…..
إن زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ليست مجرد محطة دبلوماسية، بل تأتي في سياق الالتصاق العضوي والمتصاعد بين إسرائيل والإدارة الأميركية، في لحظة يعاد فيها تشكيل المشهد الإقليمي على وقع الحرب المفتوحة في غزة، والضغط المتصاعد على لبنان والمنطقة بأسرها.
إنها زيارة لتثبيت التفاهمات لا البحث عن حلول، ولتوسيع رقعة العدوان تحت غطاء دبلوماسي مشترك، بعيداً عن الشعارات الإسرائيلية المعلنة عن “القضاء على حماس” أو “تحرير الرهائن”، فإن الأهداف الحقيقية للعدوان أوسع بكثير.
ما يجري هو مشروع استراتيجي لإعادة هندسة الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، وتصفية حق العودة، وتفكيك المشروع الوطني الفلسطيني ذاته. العدوان ليس رداً على عملية، بل محاولة منظمة لإنهاء الهوية السياسية لشعب كامل، ودفعه نحو التلاشي أو التهجير.
نتنياهو، في زيارته لواشنطن، لا يسعى إلى الخروج من مأزق، بل يراكم أوراق القوة لتنفيذ رؤية استعمارية متدرجة:
تدمير المقاومة، تهجير السكان، فرض أمر واقع جديد، ثم تقديمه للعالم كـ”حل ممكن”. أما لقاءه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهو تتويج لتحالف حرب هدفه إدارة المنطقة بالحديد والنار، لا عبر القانون الدولي أو الحلول العادلة.
في هذه المعادلة، تتحول “الهدنة” إلى أداة تكتيكية لإعادة التموضع والاستنزاف، وتُقدَّم غزة كـ”ملف إنساني” لفكفكة الوعي الوطني، وتُطرح إعادة الإعمار كفخ سياسي مشروط بنزع السلاح وقبول المعادلة الجديدة.
ويُخشى اليوم من نقل هذا السيناريو إلى الضفة الغربية والقدس، بما يشكل تهديداً مباشراً بتهجير جماعي نحو الأردن، تنفيذاً لجوهر “صفقة القرن” المؤجلة، التي ترى في الأردن وطناً بديلاً وحلاً أخيراً. وهنا مكمن الخطر الأكبر، إذ لن يكون الأردن قادراً على استيعاب هذا النزوح أو التعامل مع تداعياته الكارثية، لا ديموغرافياً ولا أمنياً ولا اقتصادياً.
أمام هذا المشهد المعقد، تبرز مسؤولية الطرف الفلسطيني والعربي في مواجهة هذا المشروع بشجاعة ووعي وواقعية.
المطلوب اليوم هو استراتيجية نضال وطني شاملة ومتزنة، تأخذ في الحسبان المعطيات الإقليمية والدولية، وتحبط خطط التهجير والاقتلاع، بدل أن تمنحها الذرائع.
فلسطينياً، لا بد من تجاوز الانقسام فورًا، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية موحدة، تضع برنامجًا وطنيًا جديدًا يقوم على المقاومة السياسية والشعبية الذكية، لا على استنساخ نماذج الصدام المباشر المدمر.
المطلوب مقاومة تحمي الأرض والشعب، لا تقدم المبررات لاستباحتهما.
عربيًا، يجب بلورة موقف سياسي واضح وفاعل، يُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، ويرفض التعامل معها كعبء إنساني.
دعم الأردن في التصدي لمخططات التهجير بات واجبًا قوميًّا لا يحتمل التأجيل، كما أن كسر موجة التطبيع يجب أن يتحول إلى فعل سياسي وإعلامي مستدام.
أما دوليًا، فالمعركة يجب أن تنتقل من ميدان النار إلى ميدان القانون والدبلوماسية والضغط الشعبي. فضح الشراكة الأميركية الإسرائيلية في العدوان، وتوسيع حملات المقاطعة، وتفعيل أدوات المحاسبة الدولية، خطوات لا تقل أهمية عن الصمود الميداني.
في النهاية، ما يجري اليوم ليس صراع حدود، بل صراع وجود، وزيارة نتنياهو إلى واشنطن ليست محاولة لوقف الحرب، بل لتثبيت نتائجها وتوسيع رقعتها.
في مواجهة ذلك، لا يكفي التمسك بالمقاومة كشعار، بل يجب أن تُصاغ ضمن برنامج وطني عقلاني وشجاع، يُدرك حجم التحديات ويوازن بين الحق والواجب، بين الصمود والممكن، بين كلفة المواجهة وحتمية البقاء.
فالمعركة القادمة ليست فقط في غزة أو جنين، بل على المعنى الكامل لفلسطين… وحدودها ليست الجغرافيا فحسب، بل الكرامة والهوية والحق في الوجود.