ما هي اتجاهات المشهد الفلسطيني بعد تصريحات ترامب ونتنياهو؟

ما هي اتجاهات المشهد الفلسطيني بعد تصريحات ترامب ونتنياهو؟

أمد/ في تطور لافت يعكس ملامح مرحلة سياسية جديدة في الشرق الأوسط، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات أربكت التقديرات التقليدية حول مصير القضية الفلسطينية. فعندما سُئل عن موقفه من “حل الدولتين”، أجاب بكلمات مقتضبة: “لا أعلم”، وأحال السؤال إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يتردد في استثمار اللحظة ليشن هجومًا عنيفًا على الفلسطينيين، متهمًا إياهم بـ”قتل النساء والأطفال وقطع الرؤوس”، ومشددًا على أن أي سلام مستقبلي “يجب أن يبقي الأمن بيد إسرائيل”.
هذه التصريحات، وإن بدت صادمة، إلا أنها تكشف عن تحول استراتيجي في مقاربة واشنطن وتل أبيب للقضية الفلسطينية، وتثير أسئلة عن موقع الدول العربية من هذا التحول، والسيناريوهات المحتملة للمشهد الفلسطيني في ظل إدارة أمريكية تتبنى مواقف أقرب ما تكون إلى أجندة اليمين الإسرائيلي.
أولًا: حل الدولتين.. نهاية مرحلة وبداية أخرى
منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، شكّل حل الدولتين الإطار المرجعي لأي جهود دولية لإحلال السلام. لكن مع تولي ترامب الرئاسة مجددًا، يبدو أن هذا الإطار يواجه تصفية نهائية على المستويين السياسي والميداني:
1. تصعيد أمريكي-إسرائيلي ضد فكرة الدولة الفلسطينية
إدارة ترامب تتبنى رؤية تقوم على “السلام الاقتصادي” للفلسطينيين مع ترتيبات أمنية صارمة، بدلًا من إقامة دولة ذات سيادة.
إسرائيل من جهتها ترى أن أي كيان فلسطيني يجب أن يكون منزوع السلاح، وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة.
2. تثبيت الوقائع الميدانية
تسارع الاستيطان في الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات معزولة.
القدس خارج التفاوض بعد الاعتراف الأمريكي بها عاصمة لإسرائيل.
غزة تحت الحصار والتدمير المتكرر، ما يجعل فكرة الدولة الموحدة بين الضفة وغزة شبه مستحيلة.
ثانيًا: العرب بين الانشغال والتطبيع المشروط
1. السعودية
الرياض، التي لطالما ربطت التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، باتت اليوم أكثر براغماتية، تركز على ضمانات أمريكية لمواجهة إيران، فيما يقتصر موقفها تجاه فلسطين على دعم لفظي لحل الدولتين دون خطوات عملية للضغط على واشنطن أو تل أبيب.
2. مصر
القاهرة تلتزم نظريًا بحل الدولتين، لكن أولوياتها تتمحور حول:
ضبط حدودها مع غزة ومنع نزوح الفلسطينيين إلى سيناء.
التنسيق الأمني مع إسرائيل لضمان استقرار الوضع في القطاع.
الموقف المصري لا يُتوقع أن يتجاوز حدود الوساطة والاحتواء الأمني.
3. الإمارات والبحرين
متمسكتان باتفاقات “أبراهام” دون ربطها بأي تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين، ما يعكس انفصال مسار التطبيع العربي عن مسار القضية الفلسطينية.
ثالثًا: سيناريوهات المشهد الفلسطيني في ظل إدارة ترامب
في ضوء هذه المعطيات، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار القضية الفلسطينية:
📌 السيناريو الأول: استمرار الوضع القائم مع تعميق السيطرة الإسرائيلية
الضفة الغربية تتحول إلى جيوب معزولة تحت إدارة أمنية إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة.
غزة تبقى محاصرة ومعزولة، مع الاعتماد على مساعدات إنسانية لتجنب الانفجار الكامل.
الفلسطينيون يواجهون خطر التهجير التدريجي في القدس والمناطق “ج”.
هذا السيناريو هو الأرجح في المدى القريب.
📌 السيناريو الثاني: انفجار الأوضاع وتصاعد المقاومة
مع انسداد الأفق السياسي وتدهور الوضع الإنساني، قد تتصاعد المقاومة المسلحة والشعبية في الضفة وغزة.
اندلاع انتفاضة ثالثة واسعة النطاق قد يعيد القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، لكنه سيقابل برد إسرائيلي عنيف بدعم أمريكي كامل.
📌 السيناريو الثالث: ترتيبات إقليمية كبرى على حساب الفلسطينيين
في إطار صفقة أمريكية-عربية أوسع، يتم طرح “سلام اقتصادي” للفلسطينيين مقابل تطبيع شامل بين إسرائيل والدول العربية الكبرى (السعودية، مصر).
الكيان الفلسطيني يكون أقرب إلى “حكم ذاتي موسع” بلا سيادة ولا جيش، مع إبقاء الأمن والسيطرة الحدودية بيد إسرائيل.
رابعًا: ما الخيارات أمام الفلسطينيين؟
في ظل انسداد الأفق السياسي، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام خيارات صعبة:
إعادة بناء وحدتهم الداخلية بين الضفة وغزة كشرط أساسي للصمود.
تعزيز المقاومة الشعبية والدبلوماسية لإبقاء قضيتهم حية عالميًا.
الرهان على تغيرات مستقبلية في موازين القوى الدولية قد تعيد فتح نافذة فرص لحل سياسي عادل.
والسؤال هل نحن أمام مرحلة ما بعد حل الدولتين
تصريحات ترامب ونتنياهو ليست مجرد مواقف آنية، بل تعكس تحولًا استراتيجيًا يهدف إلى إغلاق ملف الدولة الفلسطينية المستقلة نهائيًا. في المقابل، يبدو أن العالم العربي، المنشغل بأولوياته الداخلية والإقليمية، غير قادر أو غير راغب في مواجهة هذا التوجه.
يبقى المشهد الفلسطيني مفتوحًا على سيناريوهين متناقضين:
إما استسلام للأمر الواقع الجديد تحت مسمى “سلام اقتصادي”.
أو تصاعد مقاومة قد تعيد خلط الأوراق، لكن بثمن إنساني وسياسي باهظ.