اجتماع رجال الأعمال في القاهرة: مصالح ضيقة في زمن النزاع الفلسطيني.

أمد/ في الوقت الذي تتصاعد فيه ألسنة اللهب من شوارع غزة، وتغص المستشفيات بما تبقى من جرحى، وتُرفع الأنقاض عن جثث الأبرياء، شهدت سفارة دولة فلسطين في القاهرة ما أُطلق عليه “اللقاء التشاوري الأول” بين غرفة تجارة وصناعة وزراعة محافظة غزة ورجال الأعمال، في مشهد أثار تساؤلات حقيقية حول البوصلة الأخلاقية والوطنية لهذا اللقاء، ومدى انسجامه مع نبض الشارع الفلسطيني الغارق في الدم والمأساة.
اللقاء الذي جاء بحضور السفير الفلسطيني دياب اللوح، وعدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة التجارية، نُظم في أجواء تنظيمية فاخرة، بعيدة كل البعد عن مشاهد الدمار والتهجير التي يعيشها سكان قطاع غزة منذ أشهر. في الوقت الذي لا يجد فيه المواطن الفلسطيني مأوى أو رغيف خبز أو جرعة دواء، عُقد اللقاء في قاعة دبلوماسية راقية، يتداول فيها رجال الأعمال قضايا “التحول الرقمي” و”إيصال الدعم للمتضررين”، وسط غياب كامل لتمثيل حقيقي للضحايا وأصحاب المأساة.
بينما يدّعي المنظمون أن اللقاء يأتي في إطار “جهود التعافي”، تساءل كثيرون إن كان الهدف الحقيقي هو إعادة ترتيب المصالح الخاصة لبعض التجار والنخب الاقتصادية ، تحت غطاء إنساني وسياسي. فحديث البعض عن العودة إلى غزة فور فتح المعبر بدا أقرب إلى محاولة تأمين موطئ قدم اقتصادي، لا موقفًا وطنيًا يعكس روح التضحية والانتماء.
الأخطر من ذلك، أن اللقاء لم يُقدِّم أي حلول ملموسة لمعاناة المواطنين، ولا أي خطة عملية متكاملة لما بعد الحرب بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية.
لم تُطرح آليات واضحة لدعم الاقتصاد الوطني، ولا برامج حقيقية لإعادة الإعمار بشكل عادل وشفاف.
وهو ما يجعل من اللقاء حدثًا أقرب إلى استعراض إعلامي ونخبوي، منه إلى اجتماع يحمل مضمونًا وطنيًا حقيقيًا.
في زمن الحروب، يُختبر جوهر الانتماء. وفي زمن الدم، تظهر معادن الرجال. وبينما يُقصف الفلسطيني في غزة، ويُقمع في الضفة، يجتمع البعض في الخارج لمناقشة ما بعد الحرب، وكأن الحرب انتهت، أو كأنهم في جزيرة معزولة عن الألم.
فهل فقد بعض رجال الأعمال البوصلة؟ وهل تحوّلت الوطنية إلى ورقة تفاوض على موائد الاستثمار؟
إن الشعب الفلسطيني الذي يكتب تاريخه بالدم، لن يغفر لمن يستثمر في آلامه، أو يساوم على معاناته.