نبض غزة في ظل اتفاق الهدنة

نبض غزة في ظل اتفاق الهدنة

أمد/ في غزة، باتت التهدئة أشبه بحبل نجاة يُرمى ثم يُسحب قبل أن تلامسه الأيدي. يعيش الناس على إيقاع الأخبار العاجلة والتصريحات المتضاربة، قلوبهم على أهبة القفز مع كل بصيص أمل، ثم تعود لتنكسر عند كل نفي أو تعثر في المفاوضات. وكأن غزة، بكل من فيها، موصولة بجهاز إنعاش، تنبض حياتها مع كل خبر عن اقتراب الهدنة، وتكاد تنطفئ عندما تتبخر الوعود.

الناس في غزة لا يحتفلون بالأمل، بل يتحسبونه. فكل مرة يُقال فيها إن الاتفاق بات قريبًا، تسري في الأرواح دفعة حياة. يعود البعض ليتخيل مستقبلًا، يعود الأطفال للسؤال عن مدارسهم، وتبدأ الأمهات بتخزين بعض الطمأنينة في قلوبهن. لكن ما إن يفشل الاتفاق، حتى تسود الصدمة، وكأن الأمل نفسه كان قذيفة سقطت على أملٍ آخر.

توقفت الحياة في القطاع، لا بسبب الحرب وحدها، بل بسبب طول الانتظار. لا شيء مؤكدًا، لا خطط تُرسم، ولا غد مضمون. المجهول وحده هو اليقين. وبين جولة مفاوضات وأخرى، يتآكل الناس نفسيًا، حتى صار القلق مزمنًا، والخوف مكوّنًا من مكونات الحياة اليومية.

غزة اليوم ليست ساحة حرب فقط، بل ساحة ترقّب مؤلم. التهدئة التي كانت تعني في السابق مجرد “توقف لإطلاق النار”، صارت الآن حلمًا جماعيًا بالبقاء، بشربة ماء بلا قصف، بلحظة نوم بلا قلق، بيومٍ طبيعي يشبه ما يعيشه العالم خارج هذا السجن الكبير.

كلما زاد الحديث عن قرب الاتفاق، زادت دقات القلوب، وكلما فشل، خفّ النبض، وتضاءل الأمل. وكأن المدينة كلها، بمليونَيّها، ترقد على سرير الانتظار، في غرفة لا يأتيها الطبيب أبدًا.