غزة في مأزق وقف إطلاق النار: بين خطر الفناء وآمال النجاة!

أمد/ وسط الدمار الشامل الذي يلفّ قطاع غزة، تتسارع التحركات الدولية والإقليمية باتجاه هدنة مؤقتة لوقف إطلاق النار، في ظل ضغوط إنسانية غير مسبوقة، وانكشاف كامل للمنظومة الأخلاقية التي صمتت طويلًا على المجازر. ومع أن الحديث عن “وقف العدوان” يعيد شيئًا من الأمل إلى المشهد، إلا أن الأسئلة الكبرى تظل حاضرة: هل ستكون الهدنة مدخلًا فعليًا لإنهاء الحرب؟
أم مجرد استراحة لالتقاط الأنفاس قبل جولة جديدة من التصفية والتدمير؟
المطروح اليوم لا يتجاوز إطار تهدئة مؤقتة لمدة ستين يوم، دون أي ضمانات حقيقية لوقف العدوان أو انسحاب القوات أو رفع الحصار.
وفي ظل غياب إطار سياسي واضح، يصبح خطر إعادة إنتاج السيطرة على القطاع مرجحًا، سواء من خلال “مناطق عازلة”، أو عبر فرض ترتيبات أمنية جديدة تُبقي الاحتلال حاضرًا بأشكال غير مباشرة. هذه الهدنة، إن تحققت، ستظل محفوفة بالمخاطر، ما لم تُربط بخطوات ملموسة تُنهي حالة الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من واحد وعشرين شهرًا.
أما على الأرض، فالوضع الإنساني لا يحتمل المزيد من المماطلة. أكثر من مليون ونصف نازح، عشرات آلاف الشهداء والمفقودين، انهيار شبه كامل في البنية التحتية، وشلل في القطاعات الصحية والتعليمية والخدمية.
ومع استمرار القصف والتهجير، تبقى كل دقيقة تمرّ بدون اتفاق جاد، ثمنها دماء وأرواح وذاكرة تُباد.
لذا، فإن وقف إطلاق النار ليس مجرد مطلب، بل ضرورة أخلاقية وإنسانية عاجلة.
غير أن التحدي الأعمق يكمن في ما بعد التهدئة. فالتجارب السابقة تُعلّم أن الهدن الهشة غالبًا ما تنهار سريعًا، ما لم تتوفر لها عناصر الثبات:
مثل فتح المعابر، تدفق المساعدات دون قيود، بدء إعادة الإعمار بشكل عاجل، وإطلاق مسار سياسي يضمن للفلسطينيين حقهم في الحياة والكرامة والحرية.
كما أن استمرار الانقسام الفلسطيني، وغياب مظلة وطنية جامعة، قد يُضعف الموقف التفاوضي، ويمنح الاحتلال فرصة لفرض شروطه مجددًا.
ورغم هذا المشهد القاتم، يظل الأمل ممكنًا، إن حوّل الفلسطينيون هذه الهدنة إلى نقطة انطلاق نحو تثبيت الحقوق، لا مجرد وقف للنار.
الأمل واقعي إذا استند إلى وحدة وطنية واعية، وإلى إرادة شعبية تُصرّ على إعادة الإعمار بإرادتها لا بشروط المانحين، وإلى استراتيجية نضالية متماسكة تستثمر التضحيات ولا تفرّط بها.
كما أن الرأي العام العالمي الذي بدأ يستيقظ على هول الجريمة، يمكن أن يُشكّل سندًا جديدًا، إن جرى تفعيله سياسيًا وإعلاميًا وقانونيًا بشكل مدروس.
إن غزة اليوم تقف على مفترق طرق حاسم: إما أن تتحول هذه الهدنة إلى بداية تحول حقيقي ينقذ ما تبقى، أو تكون مجرّد هدنة زائفة، يستغلها الاحتلال لإعادة التموضع، تمهيدًا لجولات جديدة من العدوان. المسألة ليست في وقف النار فقط، بل في إعادة تعريف العلاقة مع هذا الاحتلال، ومع العالم الذي سمح بهذه الإبادة أن تستمر دون محاسبة.
لذا نؤكد ونقول:
لا يكفي أن يتوقف القصف، بل يجب أن يبدأ مسار الإنقاذ الوطني والإنساني والسياسي.
فدماء غزة أغلى من أن تُستثمر في صفقات ناقصة، وأبناء غزة أحق بالحياة من أن يُترك مصيرهم رهينة لمعادلات القوة وحدها.
وإذا كان لابد من هدنة، فلتكن مدخلاً للتحرير لا تقنينًا للقتل وللدمار.