شباب بلا وظائف.. شباب بلا آمال

أمد/ في شوارع غزة التي تضيق يومًا بعد يوم تحت الحصار والنار، لا يعلو صوت على صوت الانتظار. انتظار الماء،انتظار المعونة، انتظار الضربة التالية… لكن أكثر الانتظارات قسوة هو ذاك الانتظار المرير الذي يعيشه الشباب: انتظار فرصة لا تأتي. في قطاعٍ يختنق بالعزلة، يعاني جيلٌ كامل من البطالة المزمنة ، ومن واقعٍ قاسٍ يطفئ الطموحات ويكسر الأجنحة.
توقف المشاريع الصغيرة: خنق المبادرات الذاتية
قبل الحرب، شكّلت المشاريع الصغيرة بارقة أمل لكثير من الشباب. ورش حدادة، متاجر إلكترونية، مشاغل حرفية، مبادرات تقنية… كلها كانت محاولات لبناء المستقبل بالأيدي العارية. لكن القصف المتتالي دمّر البنى التحتية، وسوّى الورش بالأرض، وقَطَع سلاسل التوريد، فانهارت تلك المشاريع كما ينهار جدارٌ من الرمل في عاصفة.
اليوم، لم تعد المبادرة مغامرة محسوبة، بل أصبحت مجازفة بالحياة والمدخرات في بيئة لا توفر أدنى درجات الاستقرار.
غياب فرص العمل والتدريب: انسداد الأفق
حتى المؤسسات والمنظمات التي كانت توفر تدريبات مهنية أو فرص عمل، أصيبت بالشلل. توقفت برامج التنمية، أُغلقت مقرات، وتجمّدت الميزانيات. آلاف الخريجين يحملون شهاداتهم في حقائب مثقوبة بالأمل، لكن لا مقابلات عمل، لا شواغر، ولا أمل بمستقبل مهني في ظل اقتصاد يحتضر.
في المقابل، تتحول المهارات إلى أعباء نفسية ، إذ يشعر كثيرون أنهم أصبحوا عبئًا على أنفسهم ومجتمعهم، يعيشون حالة من “انتظار غير مُجدي”.
الاعتماد على المساعدات الإنسانية: فقدان الاستقلالية
في غياب الدخل والعمل، أصبح الاعتماد على المساعدات أمرًا لا مفر منه، ما يخلق شعورًا عميقًا بـ”التهميش” وفقدان السيطرة على الحياة. يتلقى الشباب المساعدات كـ”نجاة مؤقتة”، لكنها لا تمنحهم شعورًا بالكرامة أو الإنجاز، بل تُعمّق لديهم شعورًا بالإحباط، وتجعلهم أسرى للاحتياج.
حتى الإغاثة، في كثير من الأحيان، لا تراعي خصوصية الشباب ولا توفر احتياجاتهم المعنوية والنفسية، ما يزيد من شعورهم بالعزلة داخل وطنهم المحاصر بالنار والقتل.
التداعيات النفسية والاجتماعية
في ظل هذا الواقع، تتفشى الاضطرابات النفسية وسط الشباب، من قلق دائم واكتئاب إلى رغبة بالهجرة وترك الوطن الذي يهيمون به، أو الانسحاب من المجتمع بشكل تدريجي وابميل لعزلة تفتك بما بقي لديهم من أمل. البعض يلجأ إلى طرق تفريغ خطيرة، كالعنف أو الإدمان، في محاولة يائسة للخروج من دائرة العجز. ويزداد الأمر تعقيدًا بغياب برامج الدعم النفسي أو التمكين الاقتصادي الحقيقي.
الحلول الممكنة: رغم الصعوبات، ورغم استمرار الحرب
ورغم السواد، لا بد من نقاط ضوء يمكن البناء عليها:
– إطلاق برامج تنمية وتمكين للشباب تستند إلى واقعهم واحتياجاتهم.
– توفير حاضنات أعمال للمشاريع الصغيرة المتضررة.
– استئناف برامج التدريب المهني والتعليم الرقمي.
– توفير دعم نفسي وإرشاد جماعي يعيد بناء ثقة الشباب بأنفسهم.
الخلاصة
“شباب بلا عمل.. بلا أفق” ليس مجرد عنوان لمقالة؛ إنه صرخة مجتمع ذخيرته الحية الشباب، يئن تحت الحصار والقصف والتهميش. هؤلاء الشباب لا يريدون صدقات، بل يريدون فرصة. فرصة ليبنوا وطنهم بأنفسهم. فهل يستجيب أحد؟