مسافر يطا تحت قصف ‘التطهير والتعقيم’: استراتيجية الاحتلال الهادفة لتهجير الفلسطينيين

أمد/ رام الله: مديحة الأعرج: كشف تقرير الاستيطان الأسبوعي الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، عن سياسة إسرائيلية ممنهجة في مسافر يطا جنوب الخليل، تهدف إلى “تطهير” المنطقة من سكانها الفلسطينيين وتحويلها إلى “منطقة معقمة” للتدريبات العسكرية.
مسافر يطا: نموذج لسياسة التهجير القسري
أعلن جيش الاحتلال مؤخرًا أن “منطقة إطلاق النار 918” في مسافر يطا، التي تضم 12 قرية فلسطينية، “ضرورية للتدريبات بالذخيرة الحية” ويجب “تطهيرها” بالكامل من المباني والسكان. هذا الإعلان، الذي نقلته صحيفة “هآرتس”، يأتي ردًا على التماس قدمه الأهالي للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد هدم منشآت عامة. وكانت المحكمة العليا نفسها قد أصدرت عام 2022 حكمًا يجيز تهجير أهالي القرى، لكن أحداث 7 أكتوبر 2023 والحرب التي تلتها حالت دون تنفيذ القرار حتى الآن.
تؤشر إعلانات جيش الاحتلال والنقاشات الأخيرة في “المجلس الأعلى للتخطيط” إلى أن خطة “الحسم” التي يروج لها بتسلئيل سموتريتش تمضي قدمًا برعاية حكومية. يسكن قرى مسافر يطا حوالي 1200 نسمة، يعيشون في منطقة أعلنتها سلطات الاحتلال “منطقة إطلاق نار” منذ الثمانينيات. ينطوي قرار “التطهير” هذا على تدمير أكثر من 300 منشأة سكنية وزراعية، إلى جانب حظائر المواشي وأربع مدارس وثلاث عيادات صحية ومسجدين ومنشآت عامة وشبكة مياه.
تصاعد اعتداءات المستوطنين وتأثيرها المدمر
يؤكد رئيس مجلس قروي مسافر يطا، نضال أبو عرام، أن المجلس لم يعد قادرًا على توثيق جميع الاعتداءات نظرًا لازديادها الكبير، حيث تم تسجيل أكثر من 400 اعتداء على المحاصيل منذ بداية العام، مقارنة بعشرة فقط خلال عام 2022. تتراوح الاعتداءات اليومية بين 25 إلى 30 اعتداءً، وتطال السكان والمراعي والمواشي وشبكات المياه والمركبات والمنازل والتجريف والإخطارات، حيث ينفذ المستوطنون أكثر من 90% من هذه الاعتداءات.
أشار رئيس المجلس المحلي في مسافر يطا، نضال يونس، إلى أن هناك ما لا يقل عن 25 مخطط بناء معلقًا في عدة قرى سيتم رفضها قريبًا، مما قد يؤدي إلى عمليات هدم واسعة النطاق.
تجاهل قضائي وتواطؤ عسكري
على الرغم من لجوء المواطنين إلى المحاكم الإسرائيلية كملاذ أخير، إلا أن قرارات المحكمة غالبًا ما تكون لصالح سلطات الاحتلال. على سبيل المثال، رفضت دولة الاحتلال التماسًا قدمته المحامية نيتا عمار-شيف باسم سكان قرية فخيت لوقف هدم مدرسة وعيادة صحية، بذريعة أن المباني أُقيمت دون ترخيص. ورغم أن المحكمة العليا أقرت في 2022 بشرعية طرد السكان، فإن إجراءات التخطيط غير المكتملة كانت تعيق الهدم، لكن تقرر أن يكون موقف الجيش هو المرجع الحاسم في قرارات التخطيط المقبلة.
صعّدت سلطات الاحتلال في الأشهر الأخيرة من عمليات الهدم في مسافر يطا، بدءًا من خلة الضبع، حيث هدمت “الإدارة المدنية” في مايو الماضي 25 مبنى، بينها ست مغارات سكنية، وعشرة خزانات مياه، وسبع آبار. كما هدمت قبل أسبوعين منشآت إضافية، بينما يتجاهل جيش الاحتلال البؤر الاستيطانية غير القانونية المقامة داخل “منطقة إطلاق النار 918”. ووفقًا لحركة “سلام الآن”، فقد أُقيمت تسع بؤر استيطانية في نطاق المنطقة، سبع منها قائمة بالكامل داخل حدودها.
استهداف ممنهج وسرقة للأراضي
تترافق سياسة “التطهير” في مسافر يطا مع السطو على أراضي التجمعات الفلسطينية. أخطرت سلطات الاحتلال الأسبوع الماضي مجلس قروي مسافر يطا بالاستيلاء على مئات الدونمات من أراضي المواطنين، وعدد من الطرق الحيوية، لصالح توسيع المستوطنات وربطها بشبكة الطرق الاستيطانية، ومنع المواطنين من استخدامها أو الوصول إليها.
وشملت الإخطارات الاستيلاء على الطريق الواصل بين قريتي جنبا وبير العد، وحرمان الأهالي والمزارعين من الوصول إلى مئات الدونمات، بهدف ربط مستوطنة “متسائير” بالشارع الالتفافي رقم 317. كما تضمنت قرارات الاحتلال وضع اليد على الطريق بين منطقتي واد ماعين وأم الشقحان، بالإضافة إلى الاستيلاء على نحو 3 دونمات من أراضي عائلة الجبارين بحجة “الاستخدام العسكري”.
تصعيد “إرهاب المستوطنين” ومحاولات تهويد جديدة
لا يقتصر حديث التهجير على مسافر يطا، ففي قرى النعمان وأم طوبا وسلوان في القدس الشرقية يواجه نحو 320 فلسطينيًا خطر التهجير من منازلهم. وقد تصاعدت أعمال التهجير والتهجير القسري للمجتمعات الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية خلال العام ونصف العام الماضي، وفقًا لجمعية “عير عميم” الإسرائيلية.
وفي تصعيد خطير، يدرس جيش الاحتلال لأول مرة منذ الانتفاضة الثانية، العودة إلى إقامة وجود يهودي دائم في قبر يوسف في قلب مدينة نابلس بعد 25 عامًا من إخلائه، وذلك بعد مؤتمر موسع في الكنيست لممارسة ضغط إضافي لدفع خطة العودة.
ارتفاع مقلق في اعتداءات المستوطنين
أقر جيش الاحتلال بالتصاعد الحاد في “إرهاب المستوطنين” في الضفة الغربية، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 30% في ما يسميه “جرائم قومية” نفذها يهود خلال النصف الأول من عام 2025، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. تشمل هذه الاعتداءات أعمال حرق، وكتابات عنصرية على الجدران، ورشق حجارة، واعتداءات جسدية، وعمليات تخريب. أكد ضابط رفيع في الجيش أن “الارتفاع لا يقتصر على العدد فقط، بل يشمل أيضًا خطورة الأحداث” التي أصبحت أكثر عنفًا وتطرفًا.
انتهاكات أسبوعية موثقة
القدس: إخطارات بهدم منازل في سلوان وحزما، وإصابة ثلاثة مواطنين برصاص المستوطنين بعد اقتحام مسلح للمنطقة الشرقية من البلدة وإحراق كوخ زراعي.
الخليل: اقتلاع أكثر من 150 شتلة زيتون وتخريب أسوار في مسافر يطا، وإصابة شبان ومسن في سوسيا جراء اعتداءات المستوطنين، وهدم غرفة زراعية وسرقة محتويات منزل في يطا، وإحراق مئات الدونمات الزراعية في سعير، ونصب خيام استيطانية في بيت أمر، وإخطارات بهدم مدرسة فلسطين الأساسية.
بيت لحم: تجريف أراضي زراعية شرق بيت لحم لشق طرق استيطانية وتوسعة مستوطنتين، وهدم غرفة زراعية في حوسان.
رام الله: نصب بيوت متنقلة لإقامة بؤرة استيطانية جديدة في كفر مالك، ومهاجمة قرية المغير وشقبا من قبل المستوطنين، ومحاولات للسيطرة على آبار المياه في عين سامية، واقتحام أراضي زراعية في سنجل وإشعال حرائق.
نابلس: نصب خيام واعتداءات على منازل في بورين، واقتحام مقام يوسف وتحطيم ممتلكات، وتجريف أراضٍ زراعية في عقربا، وهدم مساكن ومنشآت زراعية في خربة الطويل، وإحراق عشرات الدونمات الزراعية في مادما.
الأغوار: إقامة بؤر استيطانية جديدة وتسييج أراضٍ زراعية في المنطار وكردلة، وسرقة رؤوس أغنام في عرب المليحات.