واشنطن “الراعية”: هل هي خطوة نحو السلام… أم مجرد خدعة أخرى؟
أمد/ بينما ترزح غزة تحت أنقاض حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023، تتقدّم الولايات المتحدة – برئاسة دونالد ترامب – لتعرض نفسها “ضامنة” لاتفاق تهدئة جديد بين إسرائيل وحركة حماس، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، وتبادل أسرى، وإدخال مساعدات إنسانية، تمهيداً لهدنة دائمة. لكن السؤال الذي يطرحه كل فلسطيني اليوم: هل يمكن الوثوق بواشنطن، صاحبة السجل الطويل في دعم الاحتلال والتغطية على جرائمه؟
بحسب الخطة، يبدأ وقف إطلاق النار بتحرير دفعات من الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، إلى جانب انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من مناطق محددة في غزة. ويُشرف على إدخال المساعدات الأمم المتحدة والصليب الأحمر، بينما تُستأنف المفاوضات حول مستقبل القطاع.
لكن كل هذا يجري تحت مظلة “تعهّد شخصي” من الرئيس ترامب، الذي يزعم أنه سيضمن استمرار الضغط للوصول إلى تسوية دائمة. ويحق لنا أن نسأل: ما قيمة هذا التعهّد؟ وهل سبق لواشنطن أن التزمت يومًا بوعودها للفلسطينيين؟
الوقائع تشير إلى العكس. منذ عقود، والولايات المتحدة تلعب دور الوسيط المنحاز؛ ترعى الاتفاقات، ثم تترك إسرائيل تنتهكها دون حساب. حتى التهدئة السابقة التي تمت برعاية أمريكية مطلع هذا العام، انهارت سريعًا بعد عودة القصف والتجويع، دون أي تدخل أمريكي لوقف الانهيار.
الأخطر أن هذه التهدئة الحالية لا تتضمن التزاماً صريحاً من إسرائيل بعدم استئناف الحرب بعد انقضاء الستين يومًا، بل تكتفي بصياغات فضفاضة، وتؤجل القضايا الجوهرية: رفع الحصار، عودة النازحين، إعمار القطاع، والمسار السياسي الشامل.
الحقيقة أن واشنطن لا تبحث عن إنهاء العدوان، بل عن “هدوء” مرحلي يجمّل صورتها أمام الرأي العام العالمي الغاضب من مجازر غزة. إنها محاولة لإعادة تسويق نفسها كوسيط، بينما تواصل دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً، وتمنع مساءلتها في مجلس الأمن.
الفلسطينيون ليسوا ضد التهدئة، لكنهم ضد الخداع. وضد تكرار نفس الفخاخ القديمة التي تُلبس قوالب إنسانية، بينما تُخفي أجندات استعمارية. المطلوب ليس “تعهداً” من ترامب، بل ضمانات دولية ملزمة بوقف الحرب، وانسحاب الاحتلال، ورفع الحصار، وتحقيق العدالة.
لقد جرّب الفلسطينيون مرارًا وعود أمريكا، وكان الثمن دائماً دماءهم. واليوم، لا أحد يملك ترف السذاجة. فغزة التي قاومت حرب الإبادة ، لن تنخدع بوقف نار هش، ولا بصفقة تحمل بذور الفشل منذ سطورها الأولى.