عندما تعتمد الشاعرة الفلسطينية العظيمة – أ. عزيزة بشير – على الإبهار الصامت والأنفاس العميقة في أعماق الروح.

عندما تعتمد الشاعرة الفلسطينية العظيمة – أ. عزيزة بشير – على الإبهار الصامت والأنفاس العميقة في أعماق الروح.

أمد/ قد لا يحيد القول عن جادة الصواب،إذا قلت أن شعر الشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير،جلباب نسجته بأناملها الحرفية الدقيقة مختزلة قيم الحب والشوق والحنين والولاء للروح والمكان..وفلسطين أولا وأخيرا،ناشرة هويتها بين قلوب الناس بطاقات وشهادات ميلاد جديدة،كزهرة أقحوان فواحة بأريجها ووريقاتها التي لا تذبل..

ذلك هو شعر”أ-عزيزة”التي جعلت منه سبحة أناملها تتعبد بها كلما ضاق صدرها بإكراهات الحياة،شاعرة تبث الأمل وهي تلتقط الحكمة من أبسط الأشياء بمحيطها بأسلوب شاعري رقيق يشد القارئ ويحمله كمنصت مرهف الإحساس إلى عوالمها الخفية،وبذلك جعلت الشعر كيمياء الحياة المنشودة..

كنت أشرت في مقاربات سابقة إلى أن خصوصية التجربة الشعرية للشاعرة الفلسطينية الكبيرة أ-عزيزة بشير تمتاز باكتنازها بالرؤى والدلالات المراوغة التي تباغت القارئ في مسارها الشعري،وهذا يعني أن الحياكة الجمالية في قصائد الأستاذة عزيزة بشير،حياكة فنية يطغى عليها الفكر التأملي والإحساس الوجودي،وكشف الواقع بمؤثراته جميعها..

إن الحياكة الجمالية في جل قصائدها -ترتكز على المخيلة الإبداعية،ومستوى استثارتها،الأمر الذي يؤدي إلى تكثيف الرؤى، وتحقيق متغيرها الجمالي..

ذهبت في قصائدها الى اقاصي العذاب كما الى اقاصي الصبر والتحدي،متقنة بمهارة مذهلة شهوة الاسترسال وبراعة الومض…تكتب وتكتب وكأن الكلمات تتوالد وتنساب بسعادة الى قصيدتها، وبسهولة الى القارئ من اصابعها المتعرشة على قلم لا ينضب حبره..

هي شاعرة تسافر كلماتها عبر الغيوم الماطرة،وتنبجس قصائدها من ثقوب الذاكرة كي ترسم بمداد الروح لوحات إبداعية تترجم لوعة الفراق،مواجع الغربة ولسعة الإغتراب..

تعود بنا أحيانا إلى طفولتها الأولى..ولا شيء يحميها من جبروت أفكارها النازفة سوى الشعر..والشعر بلسم للروح حين تتشظى..

وقبل أن نلج قصيدتها “كم منطِقٍ فِيهِ الحقيقةُ تُقلَبُ…!  أؤكد أن ثمة علاقة جدلية بين الشاعر وبين ثقافته..وبين الشاعر وطين الأرض..ونصوص الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير تعبق بعطر الإبداع..وتزخر بتجليات الفكر الممتد منذ سقراط إلى يومنا هذا..نصوص مترعة بالأسئلة الوجودية وحافلة بالموسيقى والجمال…وتلك اهم مقومات القصيدة.-في تقديري-

وللقراء..سديد النظر..

 

كَمْ منطِقٍ فِيهِ الحقيقةُ تُقلَبُ…       !

هذي الحكايةُ والحقيقةُ  أغْرَبُ

    يَهوَى الرّجوعَ لِقُدسِهِ ؛  فَيُجَنَّبُ!

وهْيَ  الغريبةُ  تُرْتَشى ؛   لِتَوَطُّنٍ

      في(قُدسِهِ) في أرضِهِ ….  وَتُرَغَّبُ !

تِلكَ الغرابةُ ! كيْفَ  ذاكَ يكونُهُ؟

    أشَريعُ غابٍ  بالدِّماءِ  مُخَضّبُ  ؟!

 -ذاكَ الذي يهْوَى الرُّجوعَ،(مُواطِنٌ )

    ليْسَ (اليهودِي) جوازُهُ.. وَمَثالِبُ  !

–  وهْيَ التي تُغرى ، (فَعَنْهُ غريبةٌ)

    لكنْ ( يَهودِي)  جَوازُها  ؛ فَتُقَرَّبُ !

    يا كُلَّ خلْقِ اللهِِ هذِي …..قضِيّتي

     عدْلٌ  أُهَجَّرُ  مِنْ بِلادِي، ….أُغَرّبُ!

   عَدْلٌ تُدَكُّ بُيوتُنا ………..وَقُلوبُِنا

وَنَبيتُ كُلٌّ في العَراءِ ……وَنُضْرَبُ !

وَتُصادَرُ الأرْضُ الّتي …  عُرِفَتْ  بِنا

 وَنُزَجُّ في عَتْمِ السّجونِ ….نُعذَّبُ !

صُهْيونُ مَهْلاً !ما فَعَلْتَ بِشَعْبِنا؟

     وَلِمَ الغريبُ لِأرضِنا…يُسْتَجْلَبُ ؟

 -هذي …حكايَةُ ( لاجِئٍ)  وَمُوَطَّنٍ

     – كَمْ منطِقٍ فِيهِ  الحقيقةُ  ،تُقلَبُ !

  عزيزة بشير

 

هذا النص الشعري الذي صيغ بأنامل شاعرتنا الفذة الأستاذة عزيزة بشير،لم يمنحنا كلمات،بل سلمنا مفاتيحًا لعوالمه الداخلية،وأودعنا أسراره في قميص من مجاز..وهو نص لا يُقرأ،بل يُستشف ويُستنشق كعطر قديم،يحفّز الذاكرة والذائقة معًا.

وتبقى للقصيدة مدارات أخرى لم أتناول منها شيئا إذ لكل مقام مقال..وأنا في مقام الإشارة لجودة نص وتفرد ناصة في دنيا القصيد..

قبعتي..يا إبنة جنين الشامخة..