العالم تحت وطأة الخضوع: ما سبب استسلام قادة الدول للنفوذ الصهيوني؟

أمد/ لم تعد خيبات الأمل في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية مجرد خيالات أو مزايدات، بل هي واقع يتكرّر بمرارة في كل مشهد من مشاهد المجازر في غزة، أو مصادرة الأراضي في الضفة، أو تدنيس القدس. لكن السؤال العميق الذي يراود كل حرّ هو: لماذا هذا الخنوع العالمي أمام الصهيونية؟ ولماذا تبدو معظم دول العالم وكأنها عاجزة أو متواطئة؟
الإجابة، بكل وضوح، ليست فقط في قوة الصهيونية، بل في بنية النظام العالمي نفسه، الذي بات يقوم على شبكات النفوذ، والمال، والابتزاز السياسي. الصهيونية ليست مجرد حركة سياسية، بل منظومة نفوذ متغلغلة في الإعلام، المال، السياسة، والقرار الدولي.
في الولايات المتحدة، تُعتبر منظمة AIPAC إحدى أقوى جماعات الضغط السياسي، وتستطيع فعليًا إسقاط أي عضو كونغرس يعارض إسرائيل، من خلال تمويل حملات مضادة ضده، أو تشويه سمعته إعلاميًا. أما في أوروبا، فالإعلام المهيمن يُشيطن أي موقف مناصر لفلسطين باعتباره “معاداة للسامية”، رغم أن الضحية هي شعب أعزل يُباد علنًا.
الأخطر أن بعض القادة الغربيين لا يخضعون فقط للصهيونية، بل يؤمنون بها، خاصة في ظل انتشار ما يُعرف بـ”الصهيونية المسيحية”، التي ترى أن قيام إسرائيل شرط ديني لعودة المسيح. هؤلاء لا يرون في الجرائم الإسرائيلية مشكلة أخلاقية، بل يبررونها بنصوص توراتية وتأويلات مريضة.
أما القادة العرب، فكثير منهم أسرتهم صفقات البقاء في الحكم، أو أغرتهم الوعود الأمريكية، أو أُسكتوا بالتخويف من الفوضى. باتت بعض العواصم العربية تُطبع وتحتفل، بينما تُقصف غزة وتُجرف قرى الضفة وتُحرق عائلات بالكامل.
ومع ذلك، فإن الحقيقة التي لا يستطيعون محوها، هي أن الشعوب بدأت تفيق وتكسر حاجز الصمت. من جنوب إفريقيا التي رفعت الدعوى القضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، إلى عشرات الجامعات الغربية التي رفعت صوت المقاطعة واحتلت ساحات الحرم الجامعي رفضًا للإبادة في غزة، إلى مدن العالم التي امتلأت بملايين المتظاهرين، من دكا إلى لاهاي، ومن لندن إلى نيويورك، ومن صنعاء إلى عمان، ومن الرباط إلى كوالالمبور، خرجت الجماهير تهتف لغزة، وترفع صور الأطفال الشهداء، وتواجه رواية الاحتلال بالحقائق والأرقام.
ومع كل هذا، لا تزال ملايين الشباب على منصات التواصل الإجتماعي يكشفون زيف الرواية الصهيونية، ويوثقون الجرائم لحظة بلحظة، ويُعيدون تعريف المعركة، ليست فقط معركة أرض، بل معركة وعي وذاكرة وحقيقة.
الخنوع السياسي ليس قدرًا، بل نتيجة. والوعي الشعبي المتزايد هو بداية الطريق لكسر هذه الهيمنة الصهيونية على القرار العالمي.
سيأتي اليوم الذي تصبح فيه الكرامة موقفًا سياسيًا، لا مجرد أمنية.