المساعدات في أبو غريب

أمد/ أُنظُر اليه جيدا ، يبدو ضعيفا وجائعا ولن يستطيع الحصول على سلته الغذائية في هذه الزحمة ، ما رأيك أن أطلق عليه رصاصة الرحمة ؟
_ هل تجيد التصويب ؟؟
_ أين تريدها ، في صدره ام رأسه ؟؟
يُجيبُ زميلهُ ضاحكا :_ أراهنك بعشرين دولار انك لن تستطيع قتله برصاصةٍ في رأسه ، فرأسه صغير …
_ إذن سنرى ،،،،
يطلق الجندي الاسراىيلي رصاصته، فيسقط الفلسطيني مضرجاً بدمه ويضحك الأمريكي قائلاً :_ حسنا لقد فزت بالرهان، الآن جاء دوري …
فلسطينياً أخراً يبدو طفلا يسقط، لكن هذه المرة برهان من جنديين آخرين، وهكذا تستمر الرهانات وسقوط الضحايا في لعبة الموت بمنطقة العلم شمال المدينة البائسة_ رفح_ جنوب قطاع غزة .
تعلن المصادر الصحفية عن عشرات الشهداء الذين يصلون تباعا الى المستشفيات عبر التكاتك و الكارات التي تجرها الحمير من منطقة المساعدات،
أكثر من أربعمئة شاب وسيدة قتلتهم رصاصات الجنود الأمريكيين والاسرائيليين في رفح ونيتساريم بغزة أثناء محاولاتهم الحصول على وجبات الغذاء التي اعلنت عنها مؤسسة غزة ( الإنسانية )_ وهي مؤسسة أمريكية مجهولة النسب دخلت غزة كما دخل الأمريكان إلى العراق سابقا تحت مكذبة نشر الديمقراطية وتحرير العراق، جنود سارت اقدامهم على سجاد أحمر بسطه أمامهم مفتي الدوحة القرضاوي بفتواه الشهيرة بأن القوات الامريكية هي قوات تحرير للعراق ونشر الديمقراطية، ثم ما لبث العراقيون أن أنفسهم في اقبية سجن ابو غريب، تعريهم مجندة أمريكية من ملابسهم وإنسانيتهم وتضعهم جثثا أحياءا بعضهم فوق بعض لتلقط لنفسها صورة الانتصار المزعوم في سجن ابو غريب _ حيث أُنتهِكَت الإنسانية بكل معانيها في ممرات وغرف السادية الأمريكية في العراق.
أمريكا وفق ثقافتها لم تكن لتعتبر ذلك انتهاكا، بل جزءا من كينونتها وفلسفة وجودها التي قامت على إبادة ملايين البشر من الهنود الحمر عبر سلسلة من المذابح والمجازر الدموية، وكذلك فعلت بلاد العم سام بمواطني اليابان بإلقاء القنابل الذرية على رؤوسهم وإبادتهم، تحت قناعة أمريكية مفادها ان من لا يرضخ لهم بالقوة سيرضخ بمزيد من القوة ..
ليس بعيدا عن هذه الفلسفة النازية يُقِرُ بن غوريون في مذكراته أنه في سبيل إقامة دولة اسرائيل فإنه على إستعداد للتضحية بثلث اطفال اليهود في العالم، كانت هذه نظرته لأطفال اليهود ، فما بالنا بنظرته لأطفال العرب ؟؟!!
فلسفتان قاتلتان ( أمريكية وإسرائيلية) إجتمعتا في رفح تحت ستار إغاثة من تم تجويعهم أثناء إبادتهم، حيث وجدت هذه النازية لنفسها ممرا لممارسة ساديتها وقتلها للذين تعتبرهم أمريكا مجرد بشر طارئين وتعداد فائض على الأرض لا قيمة له .
قتلة وسفلة وسكارى مهووسين بالقتل والدم تحميهم حكوماتهم اليمينية وقضائهم الذي بني عدالته المزيفة على دماء الشعوب الأخرى.
ينظرون إلينا بإعتبارنا همج ومحض عبء لا حاجة للأرض لنا، تلك
حقيقة مؤلمة لكنها ليست صادمة ، فالمؤلم والصادم أن بعضنا إستجاب طواعية لما يرسموه لنا ، رسموا لنا بيئة الجوع فتحول بعضنا إلى لصوص وتجار مساعدات، وصرنا أشباه بشر نهيم على وجوهنا وقد أرهقنا الجوع فيما بعضنا صاروا لصوصا قد إنتفخت جيبوبهم بعد ان فرغت ضمائرهم عقولهم .
هكذا فعلت بنا المؤسسة الأمريكية ( مؤسسة غزة الإنسانية)، تحت غطاء الإنسانية سرقت منا آدميتنا ، وبيد العون قتلت شبابنا .
مشهد نازف رسمته هذه المؤسسة لغزة لإعتبارات عديدة ، بعضها كعقاب لغزة وبعضها لأن هذا ما تستحقه العرب من وجهة نظر الغرب ، وبعضها لإعتبارات هندسة بيئة الفوضى والاقتتال وإنهاك الجبهة الداخلية كأحد ادوات حرب الإبادة التي تشنها دولة الإحتلال ضد كل مكونات غزة .
أشهر طويلة قبل عمل المؤسسة بدت فيها غزة وجبهتها الداخلية متماسكة ، ومؤخرا بعد بدء عمل المؤسسة صارت الفوضى والبلطجة هي منهاج الحصول على الغذاء ، جاع الغلابا وشبع اللصوص وفق الخطة الأمريكية ، وتسارع الكثيرون الى الوقوع في فخ سرقة الشاحنات بإعتباره عملا بطوليا وإضطراريا .
كلمة السر في تأمين الشاحنات كانت عائلات غزة وسلاح أبنائها والتي بعضها نجح في تأمين دخول المساعدات و عائلات أخرى كان ابنائها لصوص المساعدات وتجارها وأثرياء الحرب ، وبكل الأحوال فقد صارت الكلمة الاولى في ضبط مشهد المساعدات والسوق والجبهة الداخلية للعائلات وليس للمؤسسات الحكومية التي تتعرض للملاحقة ولشبهات الفشل في ادارة الأزمة او للفصائل وقوى المجتمع المدني التي كانت في افضل احوالها تصدر بيانات ومناشدات مصاغة بشكل جميل .
وبكل الأحوال فقد وقع الفلسطينيون في المحظور حين أصبح مصيرهم نجاة او سقوط معلق بالعائلات وسلاحها .
وسيستمر الفلسطينيون في السقوط تباعا في وحل ما يرسمه العدو من أفخاخ الفوضى والتهلكة.
الأونروا وحدها هي مفتاح الحل الدولي والمحلي بالإضافة لبعض المؤسسات الإغاثية النشطة التي حافظت أولا على كرامة المواطنين عبر آليات توزيع حفظت للناس كرامتهم .
لا يمكن القبول اطلاقا بسلاح العائلات وإجتهادات وجهاءها كضابط للأزمة الداخلية مع بالغ التقدير لجهود بعض الوجهاء الذين حافظوا قدر جهدهم على جبهة غزة الداخلية من سلسلة الانهيارات المتلاحقة.
الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية_ الغائبة عن مشهد الحل _وقوى المجتمع المدني والشخصيات والمؤثرين يجب عليهم اليوم قبل غدا ان يتداعوا الى وضع خطة لرفض المؤسسة الأمريكية وآلية عملها وفلسفة وجودها، ورفض هيمنة العائلات بسلاح أبنائها ، فالسلاح غير القانوني هو مدخل الفوضى وبداية الإنهيار وضياع المجتمع وهزيمته قبل أن تهزمنا مجددا مجندة من سجن ابو غريب تعمل فيما يسمى مؤسسة غزة الإتسانية .