مواضيع متنوعة

أمد/ هناك عناوين ملفتة تستوقف أي مراقب متابع لبعض المواقف أو الظواهر أو الأرقام الهامة والضرورية، وجميعها على تماس مع الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالصراع في الإقليم وإعادة رسم خارطته وفقا لمصالح القوى المتصارعة، ولا تحتاج عموما لعملية تحليل موسع، أو يمكن الاستغناء عن التحليل، والاكتفاء بتسليط الضوء عليها، ووضعها أمام القارئ والمتابع للفائدة والبناء عليها في محاكاة الواقع المعطي. من بين ما لفت نظري في الأيام الأخيرة 3 عناوين عامة وخاصة بالكارثة والنكبة الفلسطينية الجديدة والمتعاظمة، وهي:
أولا ظاهرة اعلان النصر من قبل القوى الإقليمية والدولية التي انخرطت في الصراع بعد 13 حزيران / يونيو الحالي، وتحديدا كل من إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى. وهنا لن اتوقف أمام ما حصل في الصراع، انما سأتوقف امام اعلان كل من القوى الثلاث عن تحقيقها “النصر”. وكان لدي تقدير سابق، أن تحويل الهزيمة الى نصر، هي ظاهرة تقتصر على الأنظمة والقوى العربية، لكن تبين أن الظاهرة أعم وأشمل، فإسرائيل أعلنت انها “انتصرت”، والادارة الأميركية أكدت انها “انتصرت” وحققت أهدافها بضربها المفاعلات النووية الإيرانية، وبالمقابل إيران احتفلت ب”النصر”. كل منها صاغ نصره على مقاسه لذر الرماد في عيون مجتمعه والرأي العام الإقليمي والدولي، بيد ان أي منهم لم ينتصر، وجميعهم خرج مثخن بالجراح، وخاصة إسرائيل وإيران، وإدارة ترمب التي قادت الصراع خلال ال12 يوما على الجبهة الإيرانية مع اداتها إسرائيل، لم تحقق هدفها بتدمير المفاعلات النووية، ولم تتمكن من الوصول الى اليورانيم المخصب، ومع ذلك اعلن زعيم البيت الأبيض انه دمر المفاعلات، مع ان التقارير الأمنية الاستخبارية الأميركية التي سربت لوسائل الاعلام الأميركية نفت نفيا قاطعا تحقيق الهدف، مما أثار غضب وسخط الرئيس ال47.
والنتيجة العلمية لنتائج الصراع أكدت أن ظاهرة اعلان “النصر” مسألة نسبية يفسرها كل طرف بمعاييره وحساباته الخاصة، وليس بمعايير النصر الكلاسيكي المتعارف عليه في الحروب بين الدول، كما لم يتمكن أي من القوى من هزيمة الطرف الآخر، وبالتالي لم يتمكن أي منها انتزاع استسلام كامل من الطرف الاخر، مؤكد حصلت القوى المتصارعة على بعض الإنجازات هنا أو هناك، وهذه تحسب بالنقاط، ووفق نظرية المصارعة في الملاكمة تحسب بالضربات، لكن الصراع أظهر هشاشة كل من إسرائيل وإيران، وأكد فشل أي منهم في تحقيق أهدافه.
ثانيا أشار تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أول أمس السبت 28 حزيران / يونيو الحالي، أن عدد الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خلال الإبادة الجماعية منذ 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 قارب ال100 الف شهيد، أي ما يعادل نسبة 4% من سكان القطاع، وهو يتجاوز ارقام وزارة الصحة الفلسطينية بنحو 40%، واستندت الصحيفة في تقريرها الى دراسة نشرها البروفيسور مايكل سباغات، الخبير العالمي في الوفيات خلال النزاعات العنيفة، وفريق من الباحثين الأسبوع الماضي، واعتبرتها “الأكثر شمولا حتى الان بشأن موضوع الوفيات بغزة”. وأوضحت الصحيفة أن سباغات بالتعاون مع عالم السياسة الفلسطيني خليل الشقاقي، أجرى مسحا ل2000 اسرة في غزة (نحو 10 الاف شخص) وتوصلوا الى انه حتى كانون ثاني / يناير 2025، بلغ عدد الضحايا نحو 75 الفا و200 انسان نتيجة الإبادة الإسرائيلية الأميركية، ما يزيد منهم عن 56% من الأطفال والنساء. وأضاف الباحثون أن الجوع والمرض وإطلاق النار الإسرائيلي على مراكز توزيع الغذاء تجعل العمليات العسكرية في القطاع من بين أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، لا بل الأكثر وحشية منذ الحرب العالمية الثانية، ان لم تكن فاقت في دمويتها وابادتها ما حدث في تلك الحرب.
اردت من ايراد هذا التقرير التأكيد على أن ارقام ضحايا الإبادة الجماعية تفوق الأرقام المعتمدة في وزارة الصحة الفلسطينية، ودحض المعلومات الإسرائيلية الكاذبة والملفقة عن عدد الضحايا الفلسطينيين لتغطي عار ابادتها ووحشيتها امام الرأي العام العالمي، الذي بات يعي حقيقة عدد الضحايا الفلسطينيين. وعلى إثر ذلك ثار غضب وسخط نتنياهو وكاتس والائتلاف الإسرائيلي النازي الحاكم على صحيفة “هآرتس” لنشرها التقرير، واعتبروها عملية تحريض على الدولة اللقيطة والمارقة، وتكريس لصفة الإبادة الجماعية عليها وعلى الولايات المتحدة الأميركية التي قادت دفة الحرب القذرة وغير المسبوقة في العصر الراهن.
ثالثا تصريح ملفت على مواقع التواصل الاجتماعي لطاهر النونو من كوادر حماس البارزة، جاء فيه ” لازال لدى حركة حماس الكثير من الفرق العسكرية لم تدخل ساحات المعركة بعد، وتنتظر ساعة الصفر كي تدخل المعركة.” والاسئلة المثارة حول التصريح النكتة والسخيف، متى تكون ساعدة الصفر بعد نشوب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني منذ نحو 21 شهرا؟ ولماذا لم تدخل المعركة، التي اقتربت من نهاياتها وبعد فقدان كتائب القسام جل قياداتها وكوادرها وعناصرها، أم ان تلك الفرق معدة لليوم التالي بعد انتهاء دوامة الإبادة لتنفيذ عمليات الاغتيال للقوى الوطنية التي ستتولى مهمة إدارة القطاع، أم ان وظيفتها اعلان “النصر” على العدو الإسرائيلي الأميركي بعد إبادة وجرح ما يزيد عن ربع مليون فلسطيني، وتدمير كامل لمدن وبلدات وقرى ومخيمات القطاع؟ وهل مهمة الفرق الاختفاء وترك الشعب يدفع الثمن المفجع والكارثي؟
مؤكد ان قوات جهاز “مجد” الأمني وغيره من الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس تعمل في الخفاء والظل كخلايا نائمة لليوم التالي لتنفيذ المهام القذرة في ملاحقة أبناء الشعب الرافضين لاستمرار سيطرة حماس على القطاع، وعودة القطاع الى حاضنة الشرعية الوطنية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد. آمل ان تعود حركة حماس الى رشدها، وتتمثل روح الوحدة الوطنية والانضواء تحت راية المنظمة لتكون شريكا سياسيا، لا نقيضا وخنجرا في ظهر الشرعية الوطنية، كما فعلت على مدار ال18 عاما الماضية.