خلف curtain الحرب في غزة: إعادة صياغة القضية الفلسطينية.

أمد/ منذ تعثُّر “اتفاق الدوحة” في يناير 2025 وفشله في تحقيق وقف لإطلاق النار، بدأت تتكشف ملامح تحوُّل خطير في مسار الحرب على غزة، لم تعد فيه الحرب مرتبطة حصريًا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل باتت جزءًا من مشهد إقليمي أوسع، تحرّكه اعتبارات تتجاوز حدود القطاع وحدود فلسطين نفسها. فالضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، واستباحة الجنوب اللبناني وسوريا، كشفت أن فلسطين أُدرِجت مجددًا كبند جانبي في أجندات إقليمية ودولية معقّدة.
في هذا السياق، تُروَّج روايات عن وجود مفاوضات وصفقات كبرى قد تفضي إلى تسوية نهائية للحرب في غزة، تُطرح فيها شروط وشروط مضادة، ويُصور الأمر كأنه لحظة تاريخية ستُحدد مستقبل الإقليم. غير أن مثل هذه السردية تُخفي حقيقة جوهرية: أن ما يجري ليس محاولة لحل الصراع، بل توظيف له، وأن الهدف من استمرار الحرب قد لا يكون الانتصار العسكري أو استعادة الرهائن، بل استكمال عملية إعادة تشكيل القضية الفلسطينية بما يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
فبدلًا من الدفع نحو تسوية عادلة تنهي الاحتلال وتعيد الحقوق، يُجرى تسويق صفقات جزئية (كالإفراج عن رهائن ومساعدات محدودة) تُستخدم كغطاء لإطالة أمد الحرب، ومنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الكبرى.
في مقدمة هذه الأهداف: تفكيك الهوية السياسية والوطنية لغزة، ودفع أهلها إلى النزوح القسري، وتحويلها إلى منطقة غير قابلة للحياة، تمهيدًا لإغلاق ملف الدولة الفلسطينية نهائيًا.
لا يمكن قراءة مسار الحرب بعيدًا عن هذه الخلفية. فإسرائيل لا تكتفي بإعلان أهدافها العسكرية الظاهرة كالقضاء على المقاومة أو تحرير الرهائن، بل توظف الحرب كأداة استراتيجية لتقويض حلم الدولة الفلسطينية المستقلة.
وهذا ما يفسّر المراوحة المتعمّدة في المسارات السياسية، واستبعاد منظمة التحرير الفلسطينية، وتغييب الرعاية الدولية الحقيقية، والاكتفاء باتصالات غير مباشرة وصفقات ظرفية لا تمس جوهر القضية.
من جهة أخرى، يخطئ من يظن أن استمرار الحرب يعود فقط لحسابات نتنياهو الشخصية أو خلافات شركائه في الحكومة، فرغم وجود هذه الاعتبارات، إلا أن الأهم هو الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد، والتي تسعى إلى فرض واقع ديمغرافي جديد في فلسطين التاريخية، ذلك يتطلب تحويل الفلسطينيين إلى أقلية قومية بلا حقوق وطنية أو سياسية، تُدار تحت حكم إسرائيلي مباشر أو غير مباشر، في غياب كلي لمشروع الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
وتُستغل في هذا المخطط معاناة الفلسطينيين في غزة، لتبرير أي حل مهما كان ناقصًا، فالمجتمع الدولي يُراهن على رغبة الناس في إنهاء المجاعة والدمار والموت، لتمرير صفقة الأمر الواقع، بينما يجري عزل منظمة التحرير وتهميشها، في سياق إعادة تعريف التمثيل الفلسطيني وفقًا لمصالح قوى الأمر الواقع.
ومع أن أي اتفاق قد يُرحَّب به شعبيًا إن أدّى إلى وقف القتل والجوع، إلا أن الخطر يكمن في نتائجه السياسية بعيدة المدى، إذ أن القبول بترتيبات مؤقتة خارج الإجماع الوطني وبدون المرجعيات الدولية، يفتح الباب أمام تحويل غزة إلى كيان سياسي هش منزوع السيادة، تُدار شؤونه بأدوات محلية تحت الوصاية الإسرائيلية.
من هنا، فإن الحديث عن تسوية شاملة بمعزل عن منظمة التحرير، وبدون توافق فلسطيني ودعم عربي ودولي، لن يكون سوى إعادة إنتاج لنهج (الإدارة بالأزمات)، الذي يهدف إلى إخماد النار دون إزالة الأسباب، وتحقيق مكاسب استراتيجية للعدو تحت ستار التهدئة.
إن ما يجري في غزة اليوم، هو فصل من خطة أكبر من غزة، تستهدف مستقبل فلسطين بأكملها، وتحاول أن تستبدل الحق الوطني بالمناورة السياسية، والدولة المستقلة بكيانات وظيفية هشّة.
لذلك، فإن التصدي لهذه الرؤية لا يتم فقط بوقف الحرب، بل بإعادة توحيد الصف الوطني الفلسطيني، وترميم الشرعية الجامعة، والتمسك بحل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية، ورفض كل الصفقات المنقوصة مهما بدت مغرية أو ضرورية آنيًا.
فالطريق إلى السلام العادل لا يمر عبر الأنقاض فقط، بل عبر الوعي السياسي، والتمسك بالثوابت الوطنية، ورفض تحويل المعاناة إلى وسيلة لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة للشعب الفلسطيني، غير القابلة للتصرف، وفق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتَكمُن الخطورة في هذا النهج الفاشي، بإتخاذ حركة حماس ومواقفها وطموحاتها كحصان طروادة، لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 لسنة 1948 م.