هل أصبح المجتمع التونسي يعيش مرحلة من الثقافة العنيفة؟!

أمد/ تشهد بلادنا تصاعدا مفزعا في عدد جرائم القتل العمد،حتى أصبحت ظاهرة متكرّرة تتراوح بين قتل داخل الأسرة وتصفية حسابات،وجرائم بدوافع تافهة-أحيانا-ولا تتجاوز مشادة أو خلاف عابر.!
هذا المدّ العنيف والمحير شمل كل الفئات وكل المناطق،وراح ضحيته نساء على يد أزواجهن،وأطفال أبرياء على يد أقاربهم وأصدقاء في خلافات عابرة ومعارك تافهة،بأساليب مختلفة تتشابه في بشاعتها..!
وتعليقا على هذه الظاهرة،أوضح أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية،سامي بن ناصر،أن ارتفاع معدلات جريمة القتل وتصدرها أخبار الإعلام ونقاشات مواقع التواصل في الفترة الأخيرة،هو نتيجة الوضعية الهشّة التي وصل لها المجتمع التونسي منذ الثورة،والتي فقد خلالها ما يمكن أن يسمّى بـ”الوسائل الدفاعية الاجتماعية”،وهو ما أدّى إلى إفراز ظواهر إجرامية أكثر خطورة.
كما أضاف في تصريح اعلامي،أن المجتمع التونسي تجاوز خلال الفترة الأخيرة كل مراحل الجريمة ودخل إلى مرحلة الثقافة العنيفة،بسبب الانتشار الواسع للعنف واقتحامه لكل مؤسسات المجتمع،كالأسرة والشارع والملاعب وأماكن العمل والمؤسسات التربوية و المستشفيات وحتى أماكن العبادة،إضافة إلى وجود تطبيع مع الجريمة في ظل غياب الردع والاستنكار المجتمعي، وشرعنة وتبرير للعنف في بعض الأحيان !
وقال إنّ أحد أهم أسباب ارتفاع الجريمة،يعود كذلك إلى انتشار اللغة العنيفة في المجتمع التونسي وتحوّلها إلى لغة مستعملة حتى في الأغاني الشعبية وتغطية المقابلات وداخل الأسرة،إلى جانب غياب وضعف القانون الردعي.
إلى ذلك خلّص بن ناصر،إلى أن الأوان حان لدق ناقوس الخطر قبل حدوث أزمة اجتماعية حادة ستعصف بالمجتمع،إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وجريئة،وتمّ الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة والتحركات الظرفية،ووضع خطة إستراتيجية لمجابهة الظواهر الإجرامية المستفحلة في البلاد.
في السياق ذاته،أكد الباحث في علم الاجتماع،سنيم بن عبد الله، أن جرائم القتل العمد في تونس شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في عام 2020،حيث سجلت 4.69 جريمة قتل لكل 100 ألف ساكن، مقارنة بـ 1.92 جريمة قتل لكل 100 ألف ساكن في عام 2004.
وأوضح بن عبد الله أن العنف في تونس أصبح ظاهرة واضحة ومرئية،وقد شهد زيادة ملحوظة في العديد من الأوساط،بما في ذلك الوسط المدرسي.
وأشار إلى أن العنف في المدارس تفاقم بين عامي 2023 و2024 بنسبة 19%،وذلك وفقاً للمرصد الوطني للتربية،مشدداً على أن هذا التزايد يعود جزئياً إلى ظروف العمل.
كما أضاف بن عبد الله أن العنف موجود في جميع الفئات الاجتماعية،لكن التحدي يكمن في كيفية مقاومته.وأكد أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب إرادة سياسية قوية للحد من العنف وتعزيز ثقافة المسالمة،مشبهاً ذلك بما يحدث في الدول الاسكندنافية.
في ذات السياق،قدمت جمعية “أصوات نساء” خلال ندوة اقليمية بتونس التقرير السنوي حول جرائم “تقتيل النساء” في تونس لسنة 2024،الذي أثبت تسجيل 26 جريمة قتل للنساء موزعة على 16ولاية خلال سنة 2024.
ولاحظ منسق وحدة البحث بجمعية “أصوات نساء” أحمد المقدم،خلال الندوة الإقليمية المتمحورة حول ” جرائم قتل النساء في تونس والمغرب والأردن ” أن جرائم قتل النساء في تونس في تزايد مستمر بإعتبار أن سنة 2023 سجلت 25 جريمة من هذا النوع شملت 11 ولاية فقط.
واعتبر أن الأرقام المرصودة في سنة 2024 تثبت مرة أخرى أن ” المعركة ضد جرائم قتل النساء في تونس مازالت بعيدة عن الكسب بسبب تعقد هذه الظاهرة وتعدد عواملها،وفق تصريحه.
واكد أحمد المقدم أن جمعية ” أصوات نساء ” تطالب باعتماد ” التقتيل ” كتوصيف قانوني للجرائم العمدية التي ترتكب على الضحايا لأنهن نساء،موضحا أن اعتبار ” الجندر ” كنمط لتفسير القتل هو خطوة أولى من أجل مكافحة هذه الآفة.وطالب بإنشاء هيئة صلب وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن لتقييم فعالية السياسة العامة في مكافحة العنف والتصدي لتقتيل النساء مشددا على ضرورة إجراء جرد لأنظمة حماية ضحايا العنف بهدف تطويرها.
من جانبه،ألقى أحد الأئمة-بجهة تطاوين،باللوم على السلطات والأجهزة المتعاقبة على تونس،مشيرا إلى أنها تعاملت بسلبية مع هذه الظاهرة ولم تأخذها مأخذ الجدّ،لافتا إلى أن ما تعيشه البلاد اليوم هو “ثمرة” لتلك السياسات المتبّعة،وثمرة ركود كل القوى الفاعلة والنخب الفكرية والسياسية.
يذكر أنه وفقا لمؤشر قياس الجريمة في قاعدة البيانات (نامبيو) لعام 2024،احتلت تونس المركز العاشر عربيًا،والـ53 عالميا بنسبة 47.6 لكل 100 ألف نسمة،ما يعني أن معدل جرائم القتل تضاعف في تونس بأربع مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وتظهر الإحصائيات أن الأزواج مسؤولون عن 71% من هذه الجرائم،مع تصدر منطقة تونس الكبرى قائمة المناطق من حيث عدد الجرائم المرتكبة.وتسلط هذه الأرقام الضوء على الحاجة المسلحة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية النساء من العنف الأسري.وتفعيل الآليات القانونية والمجتمعية لمكافحة هذه الظاهرة المتصاعدة.
من جانبنا،ندعو إلى ضرورة تغيير السياسة الجزائية المتبعة في الجرائم الخطيرة على غرار عدم التخفيف في عقوبات مرتكبي تلك الجرائم وعدم تمتيعهم بالعفو،لأن الردع من شأنه التقليص من هذه الظواهر الإجرامية.ونشير إلى أن منسوب الجريمة لم ينته حتى في الدول التي تطبق الإعدام،لذلك فإن هذه المسألة تتطلب قراءة تتناول جميع الجوانب ونختار الحل الذي يتناسب مع خصوصيتنا الثقافية ومع ارتفاع معدل الجريمة في بلادنا.ونشدد في الآن ذاته على ضرورة تغيير القوانين وتكثيف الرقابة وتحميل الأولياء المسؤولية الجزائية التي يرتكبها أبناؤهم.