غزة المُعَذَّبة: لماذا تراجع ثقة الناس في الجماعات وزعمائها؟

غزة المُعَذَّبة: لماذا تراجع ثقة الناس في الجماعات وزعمائها؟

أمد/ غزة، تلك البقعة الصغيرة المحاصرة من كل الجهات، لم تعد تحتمل المزيد. فبعد سنوات من الحصار والدمار المتكرر والحروب التي لا تنتهي، بدأ كثير من الفلسطينيين في القطاع يعبرون عن فقدان ثقتهم الكامل بجميع التنظيمات الفلسطينية، سواء في السلطة أو المعارضة. ظاهرة “الكفر السياسي”، إن صح التعبير، تتزايد بشكل ملموس، وتعبّر عن أزمة ثقة عميقة الجذور، نابعة من تراكم الإخفاقات والخذلان والواقع المعيشي القاسي.

الانقسام الفلسطيني: الجرح المفتوح

منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007 بين حركتي فتح وحماس، عاش الناس في غزة على وقع الصراع الداخلي، الذي حوّل قضيتهم الوطنية إلى رهينة للمناكفات السياسية والحسابات الفصائلية. الانقسام لم يكن مجرد خلاف سياسي، بل أدى إلى شلل مؤسساتي، وإلى انعدام الأمل في مشروع وطني موحد.

الحصار والمعاناة اليومية

الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على القطاع منذ أكثر من 20 عامًا، لم يُقابل بردّ حقيقي أو فعّال من أي جهة فلسطينية. العجز السياسي عن كسره أو حتى التخفيف منه، جعل الناس يشعرون بأن القيادات باتت غير قادرة على حماية أبسط حقوقهم، فضلاً عن تحسين واقعهم. البطالة المرتفعة، انعدام فرص العمل
الضرائب المفروضة علي السكان من حكومة حماس وسلطة رام الله ، انهيار البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء، كلها تحولت إلى جزء من روتين الحياة اليومية في غزة.

حروب بلا جدوى

الحروب المتكررة على غزة، وآخرها الكارثية التي بدأت في أكتوبر 2023، زادت من شعور المواطنين بأن دماءهم تُسفك دون مقابل حقيقي. الشعارات التي رفعتها الفصائل خلال الحروب لم تُترجم إلى مكاسب سياسية أو رفع للحصار، بل زادت من الدمار والعزلة، ما جعل كثيرًا من السكان يتساءلون: “لماذا ندفع هذا الثمن؟ ولأجل من؟”

الفساد وغياب الشفافية

يتحدث الغزيون اليوم بصوت عالٍ عن الفساد داخل التنظيمات، وتضخم ثروات القادة، في وقت يعيش فيه غالبية السكان تحت خط الفقر. هذا التناقض بين الخطاب النضالي والواقع المعيشي زاد من فجوة الثقة، وخلق شعورًا عامًا بأن “كلهم سواء”، وأن المصلحة الشخصية أصبحت تتفوق على المصلحة الوطنية.

أزمة تمثيل وفقدان الأمل

جيل الشباب في غزة، الذي نشأ في ظل الحصار والانقسام، يشعر بأنه غير ممثَّل، وأن لا أحد يعبر عن طموحاته أو يستمع إلى صوته. لا انتخابات، لا مساءلة، لا تداول حقيقي للسلطة، ولا أفق سياسي واضح. كل هذا عمّق الإحباط، ودفع الكثيرين إلى الابتعاد عن الفصائل والبحث عن حلول فردية للهروب من الواقع بأي وسيلة ممكنة.

الكفر كصرخة للغزين

ما يُعبَّر عنه اليوم على أنه “كفر بالتنظيمات” لا يعني بالضرورة تخلي الفلسطيني عن قضيته، بل هو صرخة احتجاج على قيادة فشلت في تقديم مستقبل أفضل، بل وزادت من معاناته. هو تمرد على سلطة لا تمنحه شيئًا سوى الشعارات، وعلى فصائل باتت تتحدث باسم الناس دون أن تنصت إليهم.

في غزة، ما يزال الأمل يعيش في قلوب البعض، لكنه يذبل يومًا بعد يوم، في ظل واقع يسحق الحلم الوطني، ويجعل من إعادة بناء الثقة مهمة شديدة الصعوبة