عندما يتحول الحياد إلى تواطؤ: العراق، تشريعات التجريم، والأخلاق تجاه الكيان الصهيوني.

عندما يتحول الحياد إلى تواطؤ: العراق، تشريعات التجريم، والأخلاق تجاه الكيان الصهيوني.

أمد/ في عالمٍ باتت فيه الكلمات ميدانًا للمقاومة كما الصواريخ، لم يعد مقبولًا أن يتخفّى البعض خلف قناع “الحياد الأكاديمي” أو “الموضوعية التحليلية” وهو يناقش قضية بقدر ما هي أخلاقية ووجودية، كقضية الكيان الصهيوني. وما يُثير القلق أن هذا النوع من الحياد، الذي تتبناه بعض النخب العراقية، بات غطاءً ناعمًا للتطبيع، وصوتًا مموّهًا لصالح العدو، يتقاطع تمامًا مع الموقف الشرعي والدستوري والأخلاقي العراقي.

القانون لا يترك مجالًا للتأويل

لقد كان قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، الصادر في العدد 4680 من جريدة الوقائع العراقية بتاريخ 20/6/2022، واضحًا ولا لبس فيه. ففي المادة السابعة منه، ينص على الآتي:

“يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من طبع أو تجسس أو روج للكيان الصهيوني أو لأفكاره أو أيديولوجياته أو سلوكياته الصهيونية أو الماسونية، بأي وسيلة علنية أو سرية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى.”

وهذا يعني أن مجرد الترويج العلني لأي طرح تطبيعي أو تبريري للكيان، سواء أكان ذلك من خلال مقال، أو ظهور إعلامي، أو حتى منشور على فيسبوك،، وتغريدة أو حتى تعليق على منصة أكس، هو جريمة مكتملة الأركان وفق القانون العراقي.

العراق والكيان: في حالة حرب لا هدنة فيها

إن العراق لم يوقّع أبدًا على اتفاق رودوس عام 1949، والتي كانت بمثابة هدنة بين الكيان الصهيوني والدول العربية بعد نكبة فلسطين. وعليه، فإن العراق قانونيًا وفعليًا في حالة حرب مع هذا الكيان، وأي فعل تطبيعي يعتبر خيانة وطنية وعملًا عدائيًا ضد الدولة.

الحياد في معركة الأخلاق هو انحياز للعدو

تُجمع الفلسفتان الإسلامية والغربية على أن الحياد في وجه الظلم هو خيانة. في الإسلام، من يسكت عن منكرٍ أو باطلٍ يُعد شريكًا فيه، وهذا ما تؤكده آيات قرآنية وأحاديث شريفة كثيرة. وفي الفلسفة الغربية، كتب المفكرون الكبار – مثل هانا آرنت وسارتر – عن “الجريمة الأخلاقية للامتناع” أو “ذنب المتفرج”. فكيف يمكن إذًا تبرير صمت بعض “الباحثين” العراقيين الذين يقدّمون أنفسهم كـ”محللين مستقلين” بينما يروجون لما يصفونها “انتصارات” كيان يحتل الأرض، ويقتل الأطفال، ويستهدف المقاومة، ويغتال العلماء، ويقصف دولًا ذات سيادة مثل العراق واليمن وإيران وسوريا ولبنان؟

عملاء الوحدة 8200 لا ينامون

ما يحدث على الشاشات من تطبيع فكري وإعلامي ليس صدفة. فهناك طابور إعلامي نشط، يديره أفراد – بعضهم محسوب على “النخبة” – وهم في الحقيقة عملاء لوحدة 8200 الصهيونية، وهي أكبر وحدات التجسس والحرب النفسية في جيش الاحتلال. هؤلاء ينفذون أجندات دقيقة تهدف إلى تشويه صورة المقاومة، وتبييض وجه الكيان، عبر برامج سياسية “نقاشية” أو “ثقافية”، وفي أحيان كثيرة عبر تكرار مصطلحات مريبة مثل “إسرائيل الديمقراطية” أو “أمن إسرائيل”.

هؤلاء يجب أن يُحاسبوا، لا فقط بموجب القانون العراقي الصارم، بل أيضاً بوصفهم أدوات لعدوٍّ يستهدف أمننا القومي وذاكرتنا الجماعية. فهم لا ينتمون للحياد، بل يخدمون العدو من بوابة الصمت، والتبرير، والتطبيع.

التطبيع الناعم عبر الفضائيات العراقية

الأخطر أن هذا الترويج لم يعد يتم خلسة، بل يتم علناً عبر قنوات عراقية – بعضها مرتبط بأجندات خارجية – تُعيد إنتاج الخطاب التطبيعي تحت عنوان “الانفتاح” أو “التحليل السياسي”. يتحدثون عن “ضرورة إعادة النظر في العلاقة مع كيان الاحتلال الصهيوني”، أو “فرص السلام”، أو حتى “التبادل الثقافي والديني”. وهم يعلمون أن هذا الحديث يُجرّم قانونًا، لكنه يُكرّر بلا اعتراض.

بل وصل الأمر إلى تحدٍ صريح للقانون العراقي عبر المطالبة بـ”تبادل الزيارات الدينية مع الأراضي المقدسة”، في استغلال خبيث للفقرة الخاصة بـ”الاستثناءات الدينية”، و المطلوب هو إلغاء الفقرة القانونية التي تشرعن التطبيع مع الكيان الصهيوني.

لا حياد مع الكيان.. بل وقوف مع الأمة

إن ما يجري ليس نقاشًا فكريًا، ولا مناظرات تلفزيونية رأي ورأي آخر ولا تحليل سياسي ووصف لما يجري ، بل حرب وجود. و”الحياد” في هذه الحرب ليس خيارًا، بل انحياز ضمني للمحتل. وإننا، إذ نطالب بتفعيل نصوص قانون تجريم التطبيع، فإننا أيضًا ندعو إلى وعي شعبي يرفض هذا الانزلاق الخطر، ويحاسب كل من يتلبس لباس العلم والتحليل ليمرر أجندة الخيانة.

لقد آن أوان أن نُسمي الأشياء بأسمائها: من يبرر للكيان الصهيوني أو يسوّق له، هو عدوٌ داخلي، وخطرٌ على العراق ومقاومته وهويته، ويجب أن يُعاقب كما ينص القانون، وكما يقتضي الضمير.