بين الحفاظ على الكرامة وتحديد الحدود

بين الحفاظ على الكرامة وتحديد الحدود

أمد/ ما حدث خلال اليومين الماضيين لم يكن مجرد تبادل تقليدي للضربات بين إسرائيل وإيران، بل كان أقرب إلى إدارة أزمة معقّدة كادت تخرج عن السيطرة الإقليمية. في ظاهرها، مواجهة عسكرية محدودة، وفي باطنها تفاهمات غير معلنة، واحتواء مدروس لتصعيد تم ضبطه بدقة على إيقاع السياسة وليس فقط على وقع المدافع.
◐ ضربةٌ مسموحة ورسالةٌ محسوبة
أحد أبرز مشاهد هذه الجولة كان استهداف الحرس الثوري الإيراني لقاعدة “العديد” الأمريكية في قطر، في ضربة وُصفت بأنها محدودة وموجهة بدقة، دون تسجيل خسائر بشرية تُذكر. الأمر الذي دفع مراقبين إلى التساؤل: هل كانت الضربة بتنسيق غير مباشر مع واشنطن؟
هل سمحت الولايات المتحدة لإيران بهذه الضربة الرمزية كجزء من صفقة غير معلنة لحفظ ماء وجه طهران بعد قيام القوات الأمريكية بتدمير مواقع نووية إيرانية في اليوم السابق؟
في هذا السياق، يبدو أن الرد الإيراني كان جزءًا من معادلة متوازنة: السماح بضربة لا تؤدي إلى توسع الحرب، مقابل إنهاء الجولة سريعًا.
◐ مفاجأة ترامب… إعلان النهاية والتفاهمات
جاء الإعلان المفاجئ من الرئيس ترامب بأن الحرب بين إيران وإسرائيل “ستنتهي خلال 24 ساعة” كتصريح مفصلي يحمل الكثير من الدلالات. الأهم من ذلك، تأكيده وجود تفاهمات مثمرة بين الجانبين، مما عزز الفرضية القائلة بأن ما جرى لم يكن حربًا مفتوحة بقدر ما كان جولة تفاوض بالنيران.
هذا التصريح، من رئيس لا يُعرف عنه المجاملة الدبلوماسية، أشار بوضوح إلى أن الأطراف المعنية – حتى وسط التصعيد – كانت تعمل على تجنب الانفجار الكامل. فالمعادلة التي طُرحت عمليًا كانت: “رد محدود، مقابل نهاية سريعة.”
◐ الهدوء الحذر… أم التمهيد للجولة القادمة؟
يبقى السؤال الأهم: هل انتهى كل شيء بالفعل؟
المنطقة تعيش حاليًا في ما يشبه الهدوء الحذر. لا أحد يعلن النصر، ولا أحد يتحدث عن الهزيمة. الجميع يتصرف وكأن الجولة انتهت، لكن العيون لا تزال مفتوحة، والترسانات لم تُغلق، ومراكز القرار في حالة ترقّب.
ما جرى كان أشبه برسم “خطوط حمراء” جديدة، لكن هذه الخطوط قد لا تصمد طويلاً في وجه متغيرات قادمة. فالمشروع النووي الإيراني لا يزال قائمًا، والمخاوف الإسرائيلية لم تُحسم، وتوازن القوى في المنطقة لا يزال هشًا.
◐ ختامًا: صمتٌ لا يعني سلامًا
الشرق الأوسط لا يعرف التهدئة الدائمة، بل يعتاد على فترات من الصمت الذي يسبق العاصفة. وكل الأطراف الآن – من واشنطن إلى طهران، ومن تل أبيب إلى العواصم الخليجية – تراقب وتُعيد حساباتها.
ما جرى لم يكن نهاية حرب، بل “جولة محسوبة” لتفادي مواجهة أكبر.
لكن الساحة لا تزال مشتعلة تحت السطح، والمفاجآت ليست مستبعدة، طالما أن جذور التوتر لم تُعالج، بل فقط تم تأجيل انفجارها الكبير.