إلى حركة فتح الغائبة: غزة ليست مجرد ملحق

أمد/ نعيش لحظة تاريخية فارقة في مسيرة شعبنا الفلسطيني، لحظة يختلط فيها الدم بالجوع، والخوف بالغذر، والقهر بالظلم، وتغدو الحياة في غزة أقرب إلى العدم، تشبه المآسي التي كتب عنها مفكرون عظماء أمثال “دوستويفسكي، فيكتور هيغو، إريك ماريا ريماك، جورج أورويل وماركيز والكثير غيرهم، ليس فقط بفعل القتل الإسرائيلي المنهجي والإبادة والتجويع والحصار، ورفض الاحتلال وقف هذه المقتلة ، او أي وقف لها والتوصل لحلول أبرزها عودة السلطة الوطنية إلى القطاع، وإنما بفعل انهيار القيم والأخلاق وانتشار العصابات المسلحة والفوضى، والتي لا يمكن فصلها عن مخططات إسرائيل لضمان ألا تقوم أي كيانية فلسطينية موحّدة أو قادرة على الحياة.
إن أخطر ما يواجهه قطاع غزة اليوم ليس القصف والموت الذي لم يعد له معنى اليوم فحسب، بل غياب الأفق، وانهيار البنية الاجتماعية، والاقتصادية وانحسار وربما غياب أي مرجعية وطنية قادرة على ضبط المشهد. والمؤلم أكثر هو غياب حركة فتح والسلطة الوطنية عن القطاع، وتعاطي القيادة مع غزة، وكأنها مجرد ورقة تفاوضية أو ساحة مؤجلة، إلى حين استحقاقات سياسية غير معلومة، بينما ينهار المجتمع وتتمدد العصابات في الفراغ.
إن ترك الساحة فارغة أمام قوى الأمر الواقع، أو أمام العصابات التي حتماً تدعمها إسرائيل لضمان تفتيت أي مشروع وطني فلسطيني، يمثل جريمة سياسية لا تقل خطورة عن جرائم الاحتلال نفسه.
إن أبناء فتح في غزة يشعرون بظلم بيّن، وقهر جاثم على صدورهم، حيث الاحساس بأنهم تُركوا وحدهم، بلا قيادة تنظيمية حقيقية، بلا خطاب سياسي موجّه، بلا أي احتضان معنوي أو مادي، وكأن القطاع لم يعد أولوية وطنية. هذا الغياب لا يليق بهذا الكادر الذي صبر كثيراً ، وانتظر بلا أمل ، وتألم بصمت، بل تم تجاهله مع سبق الاصرار، ولا يليق بحركة عملاقة كفتح، ولا يليق بتاريخها ولا بدورها ولا بتضحيات أبنائها.
أقولها جهاراً وبلا تردد، إنكم يا من تسمون انفسكم قيادة فتحاوية في زمن الرخاء والمهرجانات، تتحملون مسؤولية تاريخية أمام الله وأمام شعبكم بشيوخه ونسائه وأطفاله، وأمام التاريخ. غزة لا تنتظر خطابات ولا بيانات شجب، بل تنتظر خطوات عملية تُعيد للحركة حضورها السياسي والتنظيمي، وتحمي ما تبقى من نسيج اجتماعي قبل أن تتحوّل غزة إلى ساحة عصابات تديرها إسرائيل بالوكالة.
أطالبكم اليوم، كمواطن فلسطيني، وكوطني حر، وكفتحاوي غيور على حال حركته، بكل إخلاص ومحبة، بما يلي:
• إعادة تفعيل تنظيم فتح في غزة فورًا، وإعادة الاعتبار لأطرها وكوادرها دون اي حالة من الاستقطاب، وإطلاق برامج إغاثية واجتماعية وسياسية لدعم صمود الناس، وعدم ترك الساحة فارغة لقوى أخرى أو لحالة الفوضى.
• تشكيل لجنة طوارئ خاصة من قيادة فتح تتولى العمل السياسي والتنظيمي والاجتماعي في القطاع، وعدم اقتصار الوضع على الحالة المترهلة المتمثلة بمن هم موجودون اليوم.
• فتح قنوات تواصل حقيقية مع أبناء فتح في غزة، والاستماع إليهم، وتمكينهم من المشاركة في صناعة القرار التنظيمي.
• إطلاق خطاب سياسي واضح، يؤكد أن غزة ليست ورقة تفاوضية ولا ساحة مؤجلة، بل جزء أصيل وربما الجزء الأكبر من المشروع الوطني الفلسطيني، مع العمل على محاولة تشكيل جبهة وطنية لإنقاذ غزة من الانهيار الاجتماعي والسياسي والأمني.
لا يجوز ترك غزة وحدها، ولا يجوز ترك الناس وحدهم يواجهون الجوع والقتل والفوضى. فتح وُجدت لتكون حامية للمشروع الوطني، ولأبناء شعبها في كل مكان، وفي مقدمتهم غزة.
ختامًا، هذه ليست مجرد صرخة، بل واجب وطني وأخلاقي أمام شعبنا وأمام التاريخ. إن لم تتحرك فتح اليوم، فلن تسامحنا الأجيال القادمة التي تعيش حسرة غياب الدور والمسؤولية على هذا الصمت، ولن نجد كيانًا فلسطينيًا نحفظه أو مشروعًا وطنيًا نحميه.