تجدد هجرة النبي

تجدد هجرة النبي

أمد/ في رأس السنة الهجرية التي تحل غدا الجمعة الأول من محرم 1446 هجري، الموافق 27 حزيران / يونيو الحالي، والتي بدأت عام 622 ميلادي، ودشنها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الذي سبق الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصديقة الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والتي جاءت بعد البطش والتعذيب والتنكيل بمحمد عليه صلعم ودعوته واصحابه وكل من التحق به من قبيلته قريش وقبائل مكة، التي اعتبرت دعوته خروجا عن أصنامهم وعباداتهم وقيمهم وعاداتهم المتوارثة، التي تتنكر لله الواحد الاحد جل علاه، مما دعاهم لانتهاج ابشع الأساليب الوحشية والاغراءات في آن لثنية عن دعوته الربانية، لكن الرسول العربي الكريم رفض الإذعان او الاستسلام لخيارهم، وتحداهم وبقي متمسكا بدين الله الجديد الإسلام، وتمكن من خلال هجرته الى المدينة المنورة من تأسيس مداميك أول مدينة إسلامية، والتي كانت القاعدة المادية لبناء صرح الدولة الإسلامية في ربوع الكرة الأرضية.
ونحن نستحضر هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه، نقف أمام ما يجري من إبادة وحشية جماعية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا على مدار نحو 21 شهرا على مرأى ومسمع العالم، وفرض عليهم التهجير من بيوتهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم من الشمال الى الجنوب، بهدف فرض التهجير القسري الكلي من أرض الوطن الفلسطيني، في أبشع كارثة ونكبة شهدها وعاشها الشعب العربي الفلسطيني من المسلمين والمسيحيين ودمرت بيوت العبادة المسيحية والإسلامية بشكل شبه كامل في عموم قطاع غزة، التي تجاوز عددها ال900 مسجد وكنيسة بين تدمير كامل وجزئي من قبل اتباع الديانة اليهودية الصهاينة، أو الذين اختطفوا واغتصبوا الديانة اليهودية لأهداف استعمارية إجرامية، ولوثوها بالخزعبلات والاساطير اللاهوتية الملفقة والمتناقضة مع أصول وتعاليم الديانة اليهودية.
بيد ان المفارقة هنا بين الهجرتين الأولى والحالية، تتمثل في رفض الشعب الفلسطيني تجديد التهجير، وأصر على التشبث بأرض الوطن، رغم ويلات وجهنمية الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية ومن يدور في فلكهم عليه، الذين استخدموا كل أسلحة الدمار الشامل الاحدث في العالم، وسقط فوق رؤوسهم ما يزيد عن ست قنابل نووية، وقاربت ان لم أكن مخطئا نحو 100 الف طن من المتفجرات والفسفور الأبيض والاحمر والأسلحة الكيماوية، حتى تسمم الهواء والماء والتراب والمزروعات المتبقية ومياه البحر، ودمرت البيوت والمؤسسات والاثار والمعابد والبنى التحتية وأخرجت العشرات من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، وأمسى الدمار المنتشر في مدن وبلدات ومخيمات القطاع يتجاوز ال50 مليون طن، وفرض عليهم التجويع والمرض والاوبئة، وسقط منهم بين شهيد وجريح ومفقود ومعتقل نحو ربع مليون انسان جلهم من الأطفال والنساء، ومع ذلك رفض الأعداء الإسرائيليون والأميركيون ادخال المساعدات الإنسانية الغذائية والدوائية والمستلزمات الطبية والايوائية لإجبارهم على التهجير القسري، وحولوا مراكز المساعدات المفترض ان تكون إنسانية الى مصائد وحلابات للموت وتعميق الإبادة الوحشية.
وجاء الاختلاف بين الهجرتين نتاج التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإذا كان مبررا هجرة الرسول الكريم محمد صلعم واصحابه الى المدينة في الزمن السابق قبل 1446 عاما خلت، لم تعد الهجرة القسرية الوحشية الثانية مقبولة أو مبررة. لأن الإصرار على التجذر في تراب الوطن الفلسطيني، والصمود الهائل وغير المسبوق في التاريخ المعاصر، يهدف الى الدفاع عن الهوية والشخصية الوطنية، وبناء الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وضمان عودة اللاجئين الى ارض وطنهم الام على أساس القرار الدولي 194، استنادا الى قرارات الشرعية الدولية التي بلغت نحو الألف قرار، وسيواصل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته واتباع دياناته السماوية وغيرهم الكفاح التحرري الشعبي والسياسي والديبلوماسي والقانوني حتى كنس الاستعمار الإسرائيلي من على ارض الوطن الفلسطيني بكل تفاصيله ومستعمراته واكاذيبه واساطيره وخزعبلاته المأفونة والمفضوحة.
وفي رأس السنة الهجرية ونحن نهنأ الشعب وكل شعوب الأرض من المسلمين واتباع الديانات السماوية الأخرى بالمناسبة الدينية، فأن الضرورة تملي التأكيد انها مناسبة لتأكيد تمسك الشعب الفلسطيني بتراب وطنه فلسطين، الذي لا وطن لهم سواه، ولن يهاجر من مدنه وقراه ومخيماته، وسيبقى متشبثا بقوة في التراب الوطني، وسيرحل النازيون الصهاينة واسيادهم من الغرب الرأسمالي وخاصة الولايات المتحدة الأميركية شاؤوا أم أبوا، وأن غد لناظره قريب.