ضربة غبار الرماد

أمد/ أعلن الرئيس الأميركي ترمب أول أمس مساء الاحد 22 حزيران / يونيو الحالي وقف الصراع الدائر بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، والذي بدأ في السابعة صباح أمس الثلاثاء، ولم يعلن عن تفاصيله واليات تنفيذه، وكل ما ذكر، وجود هدنة ل12 يوما مبدئيا، تمتد الى ما لا نهاية. وكان مقدرا وفق توقعات العديد من المراقبين ان تمنح واشنطن القيادة الإيرانية خروجا مقبولا من دائرة المواجهة، والسماح لها على توجيه ضربة مسرحية لإحدى القواعد الأميركية، وهو ما حصل بتوجيه صاروخ إيراني لقاعدة العديد في قطر، كان متفقا عليه، وأبلغت به الإدارة الأميركية وقطر وبعض دول الخليج وروسيا أيضا، وذلك لذر الرماد في العيون الإيرانية.
رغم أن قطاعا من المراقبين المتهورين اعتقدوا ان الأمور ستأخذ منحى التصعيد، وهناك فرق بين تقديرين، الأول فتح الأفق امام سيناريوهات مفتوحة، والثاني الجزم بسيناريو التصعيد، وتناسى أصحاب الرأي الأخير أكثر من عنوان: براغماتية القيادة الإيرانية؛ هشاشة الجبهة الداخلية الإيرانية، وتفشي ظاهرة العملاء في اوساط الشعب بقطاعاته المختلفة؛ انكشاف الأجواء الإيرانية بشكل كامل امام سلاح الجو الإسرائيلي الأميركي، حيث تم تدمير سلاح الطيران الإيراني بشكل شبه كامل، وحتى لو بقي، فإنه لا يضاهي سلاح الجو الإسرائيلي المتطور، وعدم وجود دفاعات جوية إيرانية قادرة على الدفاع عن الأجواء الإيرانية. لأنها ضربت ودمرت على الأرض في مواقعها؛ اغتيال العشرات إن لم يكن المئات من القادة العسكريين ورموز النظام والعلماء، تآكل الجبهة الداخلية الاقتصادية والاجتماعية؛ الضربة الأميركية الهائلة لمراكز المفاعلات النووية الثلاث نطنز واصفهان وفوردو، واستشعار النظام انه غير قادر على مواجهة التدخل الرسمي الأميركي، لما له من أخطار كاملة على وجود نظام الملالي؛ كما أن بعض القوى الإقليمية والدولية التي راهن عليها النظام الإيراني بالتدخل ولو شكليا، بقيت أسيرة حساباتها ومصالحها الخاصة، ولم تتورط في التدخل، وكان الرئيس الروسي بوتين أعلن ان اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين بلاده وإيران لا تتضمن البعد العسكري، وبرأ روسيا الاتحادية من عدم التدخل؛ وكان النظام الفارسي بحاجة ماسة لالتقاط الانفاس، وإعادة ترتيب بيته الداخلي وتنظيم صفوفه، ومواجهة ظاهرة المعارضة والعملاء على حد سواء.
ومع ذلك، بدا جليا أن المعارضة الإيرانية ضعيفة ورخوة، ولم تتمكن من استغلال المناخ والارضية الذي هيأه الصراع، ويعود سبب آخر لعدم تمكنها من أخذ زمام المبادرة للتغيير بطش الباسيج وأجهزة الأمن الإيرانية، التي لم تتواني عن استخدام القوة المفرطة والاعدام المباشر لأي شخص حاول ان يتحرك ضد النظام السياسي المثخن بالجراح، أيضا من الواضح ان المعارضة ليست موحدة، ومتعددة الرؤوس، وينقصها التواصل بين رموزها، وينقصها التنظيم والبرنامج وخطة واليات العمل المنظمة لعملها.
كما ان الداعمين لها من إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهم لم ينتبهوا لذلك، واعتقدوا ان الضربة الأولى فجر الجمعة 13 يونيو الحالي ستحدث الاختراق المطلوب، وتفتح هوة عميقة في تركيبة النظام الفارسي، مما يسمح للمعارضة والعملاء بالانقضاض على مؤسسات الدولة المختلفة، كما حصل مع حزب الله اللبناني في تموز / يوليو الماضي في ضربة البيجرز وتناسوا ان هناك فرقا بين النظام الفارسي المسيطر على مقاليد الحكم منذ نحو نصف قرن، وبين حزب الله غير الممسك بمقاليد الأمور في البلاد، كونه جزء من النظام السياسي، وليس صاحب القرار، وإن كان له باع طويل في المشهد اللبناني قبل ضربة البيجرز.
مما لا شك فيه، أن اعلان ترمب كان حبل نجاة لكلا الطرفين الإيراني والإسرائيلي. لأنهما أُنهكا خلال ال12 يوما من دوامة الصراع المسلح، مما دفعهما لالتقاط اللحظة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية لحفظ ماء الوجه، وتفادي المزيد من الخسائر الهائلة على المستويات المختلفة، وبالتالي وصل عض الأصابع بينهما الى نقطة حرجة أملت عليهما القبول بالصفقة التي رعاها البيت الأبيض الأميركي.