جرائم الاحتلال الإسرائيلي: التزام قانوني يستدعي المحاسبة على المستويين الدولي والمحلي.

أمد/ منذ عقود، والشعب الفلسطيني يتعرض لانتهاكات منهجية ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غير أن الأشهر الأخيرة شهدت تصعيدًا غير مسبوق في ممارسات السلب والنهب، والتدمير المتعمد للممتلكات، والتنكيل بالمدنيين، في ظل غياب شبه تام للمساءلة القانونية الداخلية والدولية. هذه الممارسات، التي ترتقي في كثير من الأحيان إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستدعي تحركًا عاجلاً على الصعيدين المحلي والدولي من أجل وقفها ومحاسبة مرتكبيها.
الوقائع والانتهاكات
تشير تقارير ميدانية صادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية، من بينها منظمة “بتسيلم” و”هيومن رايتس ووتش”، إلى أن قوات الاحتلال تقوم بما يلي:
اقتحامات منظمة للمدن والبلدات الفلسطينية يرافقها سرقة أموال وممتلكات خاصة دون أوامر قضائية أو رقابة.
تدمير ممتلكات مدنية بشكل متعمد، في مخالفة صريحة لمبدأ التناسب والتمييز في النزاع المسلح.
الاعتداء على المعتقلين وسوء معاملتهم، بما في ذلك الحرمان من العلاج والرعاية القانونية.
انتهاكات ممنهجة لحرية التنقل والسكن من خلال الحواجز والإغلاقات والبوابات العسكرية المفروضة على مناطق سكنية.
الأساس القانوني: الانتهاك الصارخ للقانون الدولي
1. اتفاقيات جنيف الرابعة (1949):
تنص المادة 53 على حظر تدمير الممتلكات الخاصة من قبل سلطة الاحتلال إلا إذا كانت العمليات الحربية تفرض ذلك حتمًا.
المادة 33 تُحرّم العقوبات الجماعية وأعمال النهب والسلب.
2. القانون الدولي لحقوق الإنسان:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ينص في المادة 9 على حظر الاعتقال التعسفي، وفي المادة 17 على حماية الخصوصية والملكية.
3. نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية:
تصنف الأفعال المشار إليها أعلاه ضمن جرائم الحرب، بما يشمل: النهب، التدمير واسع النطاق للممتلكات، والمعاملة القاسية بحق المدنيين (المادتان 8(2)(a)(iv) و8(2)(b)(xiii)).
المسؤولية القانونية المترتبة
أولاً: المساءلة الدولية
يتحمل الاحتلال المسؤولية القانونية الكاملة بموجب القانون الدولي، ما يستوجب:
فتح تحقيق رسمي من قبل محكمة الجنايات الدولية في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
تفعيل آليات المساءلة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك لجان تقصي الحقائق الخاصة.
ثانيًا: المسؤولية الداخلية
رغم صعوبة تحقق العدالة ضمن النظام القضائي الإسرائيلي الذي كثيرًا ما يتغاضى عن محاسبة الجنود والضباط، فإن هناك ضرورة ملحة لـ:
فتح تحقيقات داخلية شفافة من قبل قيادة جيش الاحتلال.
إنشاء مراكز رسمية لتلقي شكاوى المواطنين الفلسطينيين وتوثيق الانتهاكات، بوجود مراقبة دولية محايدة.
المطلوب من المجتمع الدولي
الضغط الدبلوماسي والسياسي لوقف الانتهاكات وضمان حماية المدنيين الفلسطينيين.
تفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية في الدول التي تسمح بمقاضاة مرتكبي الجرائم الدولية، بما يتيح ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام محاكم أوروبية ودولية.
فرض عقوبات فردية على المسؤولين عن الانتهاكات، سواء كانوا سياسيين أو عسكريين.
إن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، خاصة ما يتعلق بنهب الممتلكات وسرقة الموارد وانتهاك الحقوق الأساسية، لم تعد مجرد “تجاوزات فردية”، بل سياسة ممنهجة تتطلب ردًا قانونيًا وسياسيًا جادًا. إن الصمت الدولي، في ظل كل هذه الانتهاكات، ليس فقط تواطؤًا، بل أيضًا خيانة لجوهر القانون الدولي الإنساني ومبادئ العدالة العالمية.
فلا سلام بلا عدالة، ولا عدالة بلا مساءلة.