إيران تضع قواعد اللعبة: بين قوة الردع وإفراط العدو المتهاوي

أمد/ بعد اثني عشر يومًا من المواجهة المركّبة والمفتوحة، فرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقف إطلاق نار بشروطها. لم يكن هذا الوقف منّة من أحد، بل ثمرة صبر شعبي ومقاومة ميدانية وتكتيك استراتيجي جرى تنفيذه على مراحل متقنة من جانب إيران ومحور المقاومة.
لقد أثبتت إيران أنها قادرة على إدارة حرب معقدة في وجه جبهة ممتدة من واشنطن حتى العواصم الغربية، مرورًا بقادة الكيان المتهاوي الذين وجدوا أنفسهم في كل لحظة تحت رحمة المعادلة الجديدة: أي عدوان يُقابَل بردّ مدوٍّ.
رسالة الصواريخ الإيرانية الأخيرة التي استهدفت مراكز حساسة في العمق المعادي، لم تكن فقط ردًا على العدوان، بل كانت إعلانًا واضحًا بأن طهران وحدها تحدد ساعة السكون وساعة التصعيد. وفي الساعات الأخيرة التي سبقت وقف إطلاق النار، أطلقت قوات الحرس الثوري 14 صاروخًا نحو مراكز القيادة والدعم اللوجستي داخل الأراضي المحتلة، لتؤكد أن اليد العليا لا تزال في قبضة طهران.
وفي الوقت الذي كان فيه العدو يروج لانتصارات وهمية، كانت وسائل إعلامه تعترف بفشل منظومات الدفاع الصاروخي لديه، وبتعطل صواريخ متطورة دون أن تتمكن من صد الضربات القادمة من الشرق.
الرئيس الأمريكي نفسه، الذي لطالما هدد وتوعد، ظهر في تصريحات جديدة ليبدي استياءه العلني من شركائه القدامى، الذين “قصفوا بشكل غير مسبوق بعد إبرام التفاهم بواسطة قطر ”، وها هو يطلب منهم سحب طياريهم “فورًا”.
من جهة أخرى، أعلنت قطر رسميًا أن واشنطن طلبت وساطتها لوقف التصعيد مع إيران، وأن الاتصال بين رئيسها والأمير القطري تم بطلب أمريكي لا إيراني.
المشهد الداخلي في كيان العدو أكثر تعقيدًا. التناقضات تتفاقم، والانقسامات بين أركان القيادة السياسية والعسكرية باتت مادة يومية للإعلام العبري. وزير الدفاع يُعلن نيته ضرب طهران في وقت تتحدث فيه قيادات أخرى عن ضرورة الانكفاء. التسريبات عن تضارب بين قادة الجيش حول جدوى استمرار العمليات، تزامنت مع تحجيم متعمد لدور القيادات العسكرية في مراكز القرار السياسي.
الإرباك في رأس الهرم ترجم ميدانيًا إلى عمليات قصف عشوائية، راح ضحيتها أكثر من 51 شهيدًا من المدنيين العزل في غزة، بينهم متطوعون في الإغاثة. هذه الجرائم كشفت مرة أخرى أن العدو لا يملك استراتيجية خروج، بل يتحرك بانفعال وبحثًا عن انتصار نفسي وهمي.
أما في الداخل الإيراني، فقد اتسعت دوائر الفخر الشعبي مع بيانات الدعم الصادرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة، التي أكدت استعدادها الدائم للرد على أي خرق، دون ثقة بكلام الأعداء. رئيس الأركان اللواء موسوي عبّر عن وجدان المؤسسة العسكرية عندما قال: “إذا قُتلت ألف مرة من أجل هذا الشعب فسأعود حيًا لأقاتل وأُقتل من جديد”.
في المقابل، تُظهر التقارير الغربية اعترافًا صريحًا بأن البرنامج النووي الإيراني لم يُمس. موقع “فردو” يواصل التطوير، ومرافق نطنز لا تزال عاملة. سناتور أمريكي قالها صراحة: “ترامب لم يدمر لا التخصيب ولا البنية النووية، فقط دفع إيران إلى تحالف أعمق مع موسكو، وعرّض الجنود الأمريكيين للخطر”.
في بُعد الحرب النفسية، استطاعت إيران أن تُصدّر صورة معكوسة لما كان يريده العدو. العالم يرى الآن أن من طلب وقف إطلاق النار هم المعتدون، وأن من قرر التوقيت هم أبناء الثورة. الإعلام الغربي بدأ بتغطية المشهد من زاوية جديدة: إيران لم تُهزم، بل خرجت أكثر قوة.
أما جمهور العدو، فيعيش صدمة متراكمة بين فضائح الفشل العسكري، وتسريبات مكالمات ترامب، والتفكك الحزبي، والانقسام حول القيادة، وحتى انشقاق بعض الرموز من دوائر النفوذ، كما عبّر عن ذلك بعض المحللين بنوع من السخرية: “حتى رضا بهلوي ألغى متابعة ترامب ونتنياهو”.
تثبت إيران أن الصبر الاستراتيجي عندما يترافق مع الحزم الميداني يخلق معادلة جديدة في المنطقة. المعركة لم تكن من أجل مجرد صاروخ أو رد، بل من أجل تثبيت ميزان قوى جديد، يُكتب من الخليج حتى شواطئ المتوسط.