أمريكا هاجمت… وعهد الحرب قد انتهى

أمد/ على عكس مما يبدو ظاهراً أو مغرياً للاستنتاج السهل، فقد ضربت أميركا مفاعل فوردو وبقية منشئات ايران النووية كي تنهى الحرب لا لتستمر وتتورط بها أكثر. جاء هذا واضحاً وصريحاً على لسان الرئيس دونالد ترامب صباح أمس الأحد، بعد الضربة وتأكيده ان الحرب انتهت وحان وقت السلام، وهو ما يفترض أن يتفهمه النظام الايراني، برغم أن لا دلائل على ذلك حتى مع افتقاده إلى وسائل الرد الجدية والمؤذية بذاته أو عبر أذرعه الإقليمية المحطمة والمكسورة. بينما فهمت إسرائيل مغزى تصريح ترامب، وأعلنت نيتها وقف عمليتها العسكرية بحال لم ترد طهران، كون بنيامين نتنياهو “الأميركي”، يعي جيداً أنه لا يستطيع أن يقول لا لواشنطن ترامب تحديداً.
إذن تدخلت الولايات المتحدة بعد أسبوع فقط من الحرب، “مع استخدام المصطلح مجازاً” بضربة قوية وقنابل خارقة للتحصينات ضد منشأة فورد، وبصواريخ “توماهوك” ضد منشأتي نطنز وأصفهان التي دمرتها إسرائيل بنسبة 75 في المئة خلال تسعة أيام. الضربة أتت متوافقة مع السياسات الأميركية الترامبية المعلنة لجهة رفض حيازة إيران سلاح نووي -في انفصام موصوف لغض الطرف عن النووي الإسرائيلي –، ولا حتى مواد مخصبة بنسبة عالية تحولها إلى دولة عتبة نووية، ولكن مع انفتاح على التوصل إلى اتفاق دبلوماسي معها يشمل بقية نقاط الخلاف -المشروع الصاروخي ودعم الميليشيات الطائفية غير الشرعية في المنطقة – مقابل رفع العقوبات وتطبيع العلاقات معها أميركياً ودولياً، وحسب النموذج السوري والعراقي والليبي السابق، لا تطبيع أو اندماج مع العالم، خصوصاً اقتصاديا بظل العقوبات الأميركية الصارمة والقاسية جداً، حسب التعبير الحرفي لترامب عند إعلانه رفعها عن سوريا.
يجب الانتباه إلى أن ترامب لجأ مضطراً وبعد تردد إلى العمل العسكري ضد قناعاته الشخصية ومزاج قاعدته الشعبية وهوسه الشخصي بدخول التاريخ ونيل جائزة نوبل للسلام، ولعدم ترك الإنجاز -المتخيل- لنتنياهو، ألا أنه فضّل العمل السياسي والدبلوماسي حتى أخر لحظة مع إعطاء فرصة للمفاوضات الأوروبية الإيرانية في جنيف الجمعة، كما عرض – وفق موقع “أكسيوس” أمس السبت – أن يأتي شخصياً إلى إسطنبول، بوساطة من الرئيس رجب طيب أردوغان، للقاء نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، والتوصل إلى اتفاق تاريخي بخطوط عريضة واضحة، ألا أن هذا الأخير منزوع وعديم الصلاحيات، لم يستطِع الوصول إلى المرشد على خامنئى لنيل موافقته على فكرة اللقاء، ناهيك عن الاتفاق.
ترامب كان واضحاً تماماً لجهة أن الضربة الأميركية ضد المنشأت النووية، تنهي الحرب ولا تمثل فصلاً جديداً فيها. وأعلن أن وقت السلام قد حان وأوصل رسالة بهذا المعنى إلى النظام الإيراني، بما في ذلك طمأنته إلى قضيته المصيرية بالبقاء وعدم امتلاك واشنطن نية لإسقاطه مع منع تل أبيب من ذلك، أو المضي في مخطط اغتيال خامنئى نفسه، وحتى ضرب فوردو مجدداً أو تعطيله أو تفجيره من الداخل، لإبقاء الباب موارباً أمام الدبلوماسية. ومن وجهة النظر الأميركية التي تنصاع لها تل أبيب رغم هوسها “الحربجي” والعسكري، فالأمر بات بيد طهران التي إذا توقفت فستنتهى الحرب فعلاً، علماً أنها وغير الخطاب الدعائي، لا تملك وسائل الرد الجدي والمؤذي مباشرة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل أو ضد الدول العربية المجاورة التي لن تغامر طهران بتوتير العلاقات والأجواء الإيجابية معها، خصوصاً أنها رفضت الخيار العسكري الأميركي – الإسرائيلي ضدها، وفكرة الاستعانة بالأذرع المشغلة إيرانياً غير متاحة، مع الانتباه إلى حقيقة أن ذراعها الإقليمي المركزي هو حزب الله -لا الحوثيين ولا الحشد الشعبي بالعراق- واستثمرت فيه مليارات الدولارات على مدى سنين بل عقود طويلة، بات مكسوراً ومحطماً بالمعنى الدقيق للمصطلح، ولا يستطيع الانخراط الفعال في الحرب حتى لو أراد، ناهيك عن الرفض اللبناني القاطع لذلك كما أعلن حليفه وأخاه الأكبر رئيس مجلس النواب نبيه بري وتأكيده أن البلد لن ينخرط بالحرب بنسبة 200 في المئة لا مئة واحدة فقط.
ولذلك على طهران الوعي أنها إذا واصلت ردودها غير المؤثرة استراتيجياً حتى الآن ضد إسرائيل، فستواصل هذه الأخيرة مخططاتها الموضوعة سلفاً لإنجاز أهداف المعركة فيما يتعلق بإضعاف المشروعين النووي والصاروخي -قادة ومنشأت- وتجاوزها للقضاء على المقدرات الأخرى للدولة الايرانية كما رأينا في قصف السبت الماضي، للقاعدة البحرية في ميناء بندر عباس والجوية في مطار أصفهان.
من جهته، فهم نتنياهو الإطار العام للموقف والرسالة الأميركية الصريحة وأعلن نيته -كما نقلت مصادر أمس الاحد – وقف العمليات العسكرية من جانب واحد بانتظار رد الفعل الإيراني وفي ظل شعور تل أبيب بتحقيق الأهداف الممكنة عسكرياً لجهة تفكيك المشروع النووي والصاروخي وإضعاف وتحييد الأذرع الإيرانية وديمومة نتائج الإنجازات العسكرية.
بالعموم وبنظرة منهجية وبحثية إلى الوراء، هُزمت إيران منذ الضربة العسكرية الأولى التي قضت على قادة المشروع النووي والصاروخي إثر اختراق واسع بل استباحة إسرائيلية للأجواء وحتى الأرض الإيرانية، وتقليص خطر وعدد الصواريخ الباليستية التي تتلقاها تل أبيب وبقية المدن إلى الحد الادنى الممكن، وعلى النظام السعي لتقليل الخسائر للحفاظ على البلد ومقدراته لا هيبته التي أهدرت وبقاءه الذى بات محل شك لدواعي داخلية أصلاً، مع انهيار الأسس التي قام عليها منذ سيطرة رجال الدين المطلقة على السلطة قبل نصف قرن تقريباً.
وفيما يخص فلسطين وقضيتها، فإضعاف إيران أو تحييدها عن التدخل في الشؤون العربية والإقليمية، لا يعني تصفية القضية الفلسطينية بأي حال من الأحوال، وهذا غير صحيح تاريخياً وواقعياً، حيث كان الحضور الإيراني جد متواضع. وباختصار، فالشعب الفلسطيني نهض وثار بعد النكبة الأولى 1948 وبعدها لسنوات بل عقود، بينما كانت إيران آنذاك جزءاً من التحالف الأميركي الاسرائيلي الغربي بالمنطقة.
عن المدن