إسرائيل تنتهك الاتفاق الاقتصادي مع باريس وتضعف الوضع المالي للسلطة الفلسطينية

أمد/ تشهد العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية تصعيدًا خطيرًا في المشهد الاقتصادي، بعد تلويح إسرائيل بوقف التعاملات المصرفية مع البنوك الفلسطينية وتكدس عملة الشيقل في البنوك ، واقتطاع أجزاء كبيرة من أموال المقاصة، في خطوة تمثل حربًا مالية ممنهجة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، وخرقًا صارخًا لاتفاق باريس الاقتصادي لعام 1994، أحد الأعمدة القانونية لاتفاق أوسلو.
أزمة متصاعدة في ظل أدوات اقتصادية بيد الاحتلال
لم تكتفِ إسرائيل بحجز عائدات الضرائب التي تجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية، بل صعّدت مؤخرًا بتهديدها وقف الترخيص للبنوك الفلسطينية عبر البنوك الإسرائيلية، ما يعني عمليًا شلّ المنظومة المالية الفلسطينية، وتهديد حياة ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون على الرواتب والخدمات الحكومية. هذا التصعيد المالي يتجاوز كونه إجراءً إداريًا ليصل إلى مستوى العقاب الجماعي المحرّم دوليًا.
اتفاق باريس الاقتصادي: وثيقة ملزمة أم مجرد ورقة سياسية؟
اتفاق باريس، الموقّع في باريس بتاريخ 29 نيسان/أبريل 1994، كجزء من ترتيبات اتفاق أوسلو، نظم العلاقة الاقتصادية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وألزم إسرائيل بما يلي:
1. تحويل أموال الضرائب والمقاصة شهريًا دون تأخير أو اقتطاع؛
2. ضمان حرية عمل البنوك الفلسطينية وربطها بالنظام المالي الإسرائيلي؛
3. عدم استخدام المعابر والضرائب كأداة ضغط سياسي
4. احترام استقلالية الاقتصاد الفلسطيني وتسهيل تنميته.
ما تمارسه إسرائيل اليوم يعد خرقًا واضحًا لهذه البنود، ويقوض الاتفاقات الثنائية التي شارك المجتمع الدولي في رعايتها وضمانها.
وهناك أبعاد قانونية لملاحقة اسرائيل لمخالفتها لاتفاقيات دولية
تُعدّ الإجراءات الإسرائيلية وفق القانون الدولي انتهاكًا لالتزاماتها كقوة احتلال بموجب القوانين والمواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، التي تمنع فرض العقوبات الجماعية أو التلاعب بمقومات العيش لشعب تحت الاحتلال. كما تنتهك:
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛
مبدأ حسن النية في تنفيذ المعاهدات الدولية؛
ميثاق الأمم المتحدة بشأن السيادة المالية للدول
المطلوب فلسطينيًا: اشتباك سياسي وقانوني فوري من قبل الحكومة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير بصفتها الموقعه على الاتفاقيات وطرف اصيل فيها وفي ظل هذا الخرق الفاضح، تصبح المسؤولية على القيادة الفلسطينية مضاعفة، وتفرض ما يلي:
1. مواجهة الاحتلال سياسيًا ودبلوماسيًا عبر استدعاء الأطراف الراعية لاتفاق أوسلو، وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتحميلهم مسؤولية فشل تطبيق الاتفاق.
2. التحرك القانوني الدولي، بتقديم شكاوى رسمية لمحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية حول الانتهاكات الاقتصادية.
3. إعادة فتح اتفاق باريس الاقتصادي للمراجعة والتعديل، خصوصًا أنه وُقّع كاتفاق مرحلي لمدة 5 سنوات، وتحول بمرور الزمن إلى أداة سيطرة اقتصادية إسرائيلية.
مطلوب استراتيجية اقتصادية وطنية بديلة
بالتوازي مع المواجهة القانونية، فإن الواقع يفرض على الحكومة الفلسطينية وضع خطة وطنية اقتصادية للخروج من نفق التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، من خلال:
تعزيز الإنتاج المحلي (زراعي، صناعي، تكنولوجي)؛
تنويع الشراكات التجارية والمالية مع العالم العربي والإسلامي؛
إنشاء صندوق وطني للطوارئ والصمود الاقتصادي بإشراف مهني شفاف. وهذا يتطلب ضرورة تفعيل صندوق الضمان الاجتماعي
ووفق كل ذلك واستنادا لما ذكر فإن كسر الحصار الاقتصادي يبدأ من الداخل
ما تواجهه السلطة الفلسطينية ليس مجرد ضائقة مالية، بل حرب شاملة على المشروع الوطني الفلسطيني. هذه المعركة، التي تخوضها إسرائيل بأدوات اقتصادية هذه المرة، تتطلب أن تقابل بارادة سياسية فلسطينية حازمة، واشتباك قانوني مؤسسي، وخطة اقتصادية استراتيجية، تضمن الصمود والمحاسبة، وترفع الصوت الفلسطيني عاليًا في المحافل الدولية.
📎 مرفقات: مقتطفات من اتفاق باريس الاقتصادي (1994)
المادة 2 – الضرائب والمقاصة
> “تقوم إسرائيل بتحويل الضرائب والرسوم التي يتم جمعها على الواردات الفلسطينية إلى السلطة شهريًا، دون تأخير أو اقتطاع.”
المادة 3 – الترتيبات المصرفية
> “يسمح للبنوك الفلسطينية بفتح حسابات لدى البنوك الإسرائيلية والعمل معها كمراسلين ماليين، وتتم المعاملات بحرية دون تدخل سياسي.”
المادة 4 – العملة
> “يحق للفلسطينيين استخدام الشيكل أو إصدار عملة خاصة لاحقًا، وتلتزم إسرائيل بتسهيل التحويلات دون فرض عراقيل.”